أحمد عوض
لا أعلم كم درساً نحتاج كي نتعلم الدرس الأساسي بأن الحفاظ على الأردن واستقراره یتطلب إیجاد حلول جذریة للمشكلات والمعضلات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة بطرق وأسالیب تختلف عن الطرق والأسالیب التي خلقت ھذه المشكلات والمعضلات.
الأردن واجه خلال العقود الثلاثة الماضیة العدید من الأزمات الكبرى، فكل بضعة أعوام یخرج عشرات آلاف من المواطنین الى الشوارع في احتجاجات شعبیة واسعة تطالب بإصلاحات اقتصادیة، ھذا إضافة إلى آلاف الاحتجاجات العمالیة التي تطالب بتحسین شروط العمل و/أو المطالبة بفرص عمل.
الملامح العامة لمشكلاتنا اقتصادیة واجتماعیة؛ حیث اتساع الفقر (تراجع المستویات المعیشیة لقطاعات واسعة من المواطنین)، وتفاقم مشكلة البطالة، لم تأت سوى من الخیارات الاقتصادیة التي أدارت بھا الحكومات المتعاقبة مختلف الملفات الاقتصادیة والاجتماعیة.
اللافت أن مختلف الحكومات التي استلمت زمام الإدارة في الأردن خلال العقود الماضیة، لم تختلف خیاراتھا الاقتصادیة ولا حتى أسالیب إدارتھا لھذه الملفات، والاختلاف كان وما یزال یظھر فقط في اللغة التي تستخدمھا الحكومات وشخوصھا عند عرضھا للأولویات التي تستھدفھا.
ففي الوقت التي تشیر فیه الاستراتیجیات الوطنیة -وكان آخرھا الاستراتیجیة الوطنیة لتنمیة الموارد البشریة 2016-2025، أن أحد أھم أسباب تفاقم مشكلة البطالة یكمن في اتساع التعلیم الجامعي على حساب التقني والمھني، نجد أن الحكومات على أرض الواقع تطبق سیاسات توسعیة في التعلیم الجامعي.
والحكومات بذلك تقوم بالضرب بعرض الحائط بمختلف السیاسات البدیلة التي تقترحھا الخطط والاستراتیجیات ذات العلاقة، خاضعة لضغوط أصحاب المصالح في (التعلیم الجامعي الخاص)، الذین یریدون مزیدا من الطلبة للالتحاق في الجامعات الخاصة.
إضافة الى ذلك، ومع تزاید أعداد الفقراء (إحدى أھم المشكلات في الأردن) ودخول مئات الآلاف من العاملین الى ھذه الشرائح (العاملین الفقراء)، الذین لا تكفي دخولھم الشھریة لتوفیر الحدود الدنیا من الحیاة الكریمة لھم ولأسرھم، ما تزال سیاسات الأجور تنحو باتجاه عدم زیادتھا، وحتى الحد الأدنى للأجور الذي یقبع عند نصف خط الفقر المطلق للأسرة المعیاریة، لا یوجد نوایا للحكومة بزیادته.
النموذجان السابقان المتعلقان بسیاسات التعلیم والأجور كافیان لتوضیح الكیفیة التي تدار بھا الملفات المفصلیة المسببة لأھم اختلالین نعاني منھما في الأردن؛ البطالة والفقر.
ونؤكد ھنا أنه غیر الممكن تغییر الواقع الصعب الذي یعیشه غالبیة مواطنینا ونحن نطبق السیاسات ذاتھا التي أدت الى نشوء وتعمیق ھذه المشكلات، وآن الأوان لننتقل من مرحلة إدارة الأزمات وتدویرھا، الى مرحلة تغییر مناھج حل الأزمات لتجاوزھا.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/2/18