أحمد عوض
أما وقد وصل القانون المعدل للعمل الى مجلس الأعيان وبدأت لجانه المختصة بمناقشته، كلنا أمل من مجلس الأعيان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على التعديلات التي أجرتها الحكومة وأقرها مجلس النواب قبل أسابيع، والتي في حال المضي في إقرارها ستعمق الاختلالات الاجتماعية وتضرب توازنات علاقات العمل وستؤثر سلبا على سمعة ومكانة الأردن الدولية.
خلاصة ما قام به مجلس النواب على قانون العمل بتشجيع من الحكومة يتمثل في تكريس القيود على تشكيل نقابات عمالية تدافع عن مصالحهم بحسب المادة 98، الى جانب حرمان العاملين الذين لیس لدیھم نقابات من المفاوضة الجماعیة في المادة 44، وحرمانھم من الاستفادة من أدوات فض النزاعات الجماعیة في المادة الثانیة.
وبعیداً عن أن التعدیلات التي أجرتھا الحكومة على قانون العمل وأقرھا مجلس النواب تشكل انتھاكات صارخة لمعاییر العمل الدولیة ومبادئ حقوق الإنسان، فھذا المدخل لیس له مستمعون لدى الغالبیة الكبیرة من المشرعین وصناع القرار.
فقط أود التذكیر بأن التعدیلات التي أجریت على المواد المتعلقة بتعریف النزاع العمالي والمفاوضة الجماعیة والتنظیم النقابي، ستؤثر سلبا على مستقبل علاقات العمل وظروف العمل في الأردن، وستدفع العاملین الى مزید من الاحتجاجات بسبب إغلاق أبواب الحوار والمفاوضة الجماعیة أمامھم.
ویمكن كذلك أن تؤثر سلباً على مستقبل الاتفاقیات الاقتصادیة التي أبرمتھا الحكومات الأردنیة المتعاقبة مع العدید من المؤسسات الاقتصادیة الدولیة والإقلیمیة، وعلى مستقبل اتفاقیة التجارة الحرة مع الولایات المتحدة واتفاقیة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
فالإطار البیئي والاجتماعي للبنك الدولي والذي یمول في الوقت الراھن مشاریع تقارب قیمتھا 550 ملیون دولار في الأردن، یلزم إدارات المشاریع سواء كانت حكومات أم قطاعا خاصا بالتعامل مع ممثلي العاملین سواء كان القانون الوطني یسمح بتشكیل نقابات أم یقیدھا.
والسیاسة البیئیة والاجتماعیة للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمیر والذي یمول مشاریع في الأردن تزید على ملیار یورو في الوقت الراھن، تلزم إدارات المشاریع الممولة من قبله بتأسیس آلیات مستقلة للعمال للتعبیر عن مظالمھم وحمایة حقوقھم في حال قيد القانون الوطني تشكيل النقابات.
یضاف الى ذلك أن اتفاقیة التجارة الحرة مع الولایات المتحدة والتي یتم بموجبھا تصدیر سلع الى الولایات المتحدة بما یقارب ملیار ونصف ملیار دولار سنویا، تتضمن بنودا تلزم الأردن بتمكین العاملین من حقھم في تشكیل النقابات والمفاوضة الجماعیة وفق معاییر منظمة العمل الدولیة.
وفوق كل ذلك، فإن منظمة التجارة العالمیة لدیھا معاییر واضحة تلزم فیھا الدول الأعضاء باحترام معاییر العمل كافة، ومنھا حق العاملین في تشكیل نقاباتھم والمفاوضة الجماعیة وفق معاییر منظمة العمل الدولیة. في حین أن برنامج العمل اللائق الثالث الذي وقعته الحكومة مؤخرا مع منظمة العمل الدولیة یتضمن محورا أساسیا لضمان حریة العاملین في تشكیل نقابات عمالیة، وتمكنھم من المفاوضة الجماعیة مع أصحاب الأعمال حول شروط عملھم.
ھنالك تداعیات خطیرة محتملة على سمعة الأردن في المحافل الدولیة ولدى المؤسسات الاقتصادیة الدولیة والتي یمكن أن تؤثر سلبا على مستقبل بعض الاتفاقیات الاقتصادیة بما فیھا التجاریة، في حال لو تعرض الأردن لحملات مقاطعة للسلع المصدرة منه خاصة الى الأسواق الأمیركیة وفق اتفاقیة التجارة الحرة مع الولایات المتحدة.
والأخطر من ذلك أن الأردن یمكن أن یتعرض لحملات لوضع اسمه على القائمة السوداء من قبل لجنة معاییر العمل في منظمة العمل الدولیة، في حال استمرت القيود على ما هي عليه، خاصة وأن لجنة المعاییر أرسلت للحكومة رسائل عدة بھذا الخصوص، والحكومة لم تستجب لذلك.
وفي ھذا السیاق، أرسل الاتحاد الدولي للنقابات العمالیة، مؤخرا، رسالة مطولة لرئیس الوزراء یطالب فیھا الحكومة بضمان حریة التنظیم النقابي والمفاوضة الجماعیة في قانون العمل، والتجارب السابقة تفید أن عدم الاستجابة لمطالب وانتقادات ھذه المؤسسات، یعرض الدول لحملات انتقاد ومقاطعة عالمیة، یمكن أن تؤثر سلبا على سمعة الأردن ومكانته العالمیة.
وزارة العمل المعنیة بھذا الملف مغمضة عینیھا عما یجري، ولا ترید أن ترى المخاطر التي تترتب على تجاھل ھذه الإشكالیات، وما تزال متمسكة بفرضیتھا الخاطئة التي تقول إن تمكین العمال من تشكیل نقابات وفق المعاییر الدولیة من شأنه إعاقة الاستثمار، مع أن أكثر الدول جلباً للاستثمارات هي الدول التي تحترم معاییر العمل بما فیھا تشكیل النقابات والمفاوضة الجماعیة.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/2/4