أحمد عوض
إلى جانب دور قوانين العمل -عالمياً- في ضمان الحدود الدنيا من معايير العمل المتوافق عليها في إطار منظمة العمل الدولية على شكل اتفاقيات لكل من العاملين وأصحاب الأعمال على حد سواء، فهي إحدى أدوات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وقد تعرض قانون العمل الأردني -المنظور حاليا أمام البرلمان- خلال السنوات الماضية للعديد من عمليات الشد والجذب من مختلف أصحاب المصالح؛ حيث خضعت مضامينه لموازين القوى الاجتماعية غير المتوازنة، أسهمت في إضعاف سياسات العمل كجزء أساسي من السياسات الاقتصادية، وأيضاً في اتساع مساحة الفقر والانتهاكات العمالية.
مجمل ذلك أسهم في الضغط على القوى البشرية (الأيدي العاملة) باعتبارها العمود الفقري لأي اقتصاد ولأي مؤسسة؛ حيث دفعت شروط العمل الضعيفة وغير اللائقة الى استنكاف قطاعات واسعة من القوى العاملة الأردنية عن العمل والانخراط في العديد من القطاعات الاقتصادية بسبب ضعف شروط العمل فيها.
ويعود ضعف شروط وسياسات العمل في الأردن الى أن قانون العمل الأردني يفتقر لأدوات تنفيذه؛ إذ إن القانون يحترم العديد من معايير العمل المتعارف عليها عالمياً، ولكن قطاعات واسعة من العاملين لا يتمتعون بهذه الحقوق على أرض الواقع، ويعود ذلك بشكل أساسي الى ضعف القوة الاجتماعية صاحبة المصلحة في إنفاذه، والمتمثلة في قوة العمال ونقاباتهم.
ولعل الفجوة الأساسية التي يعاني منها قانون العمل الأردني في أنه قام بإضعاف أدوار أصحاب المصلحة الأساسيين في تطبيق مضامينه وإنفاذها، ويتمثل ذلك في تقييد حق العاملين في تنظيم أنفسهم من جانب، ووضع عراقيل أمامهم في إجراء مفاوضات جماعية مع أصحاب العمل حول شروط العمل.
يظهر ذلك في ثلاث مواد أساسية، نزعت من القانون أدوات تنفيذه "أنيابه"؛ الأولى تمثلت في المادة رقم (2) التي حرمت العاملين الذين ليس لديهم نقابات عمالية من الاستفادة من منافع الاعتراف بالنزاع العمالي الجماعي، واقتصارها على العاملين الذين لديهم نقابات عمالية، ما أدى الى حرمان غالبية العمال من الاستفادة من أدوات فض نزاعات العمل الواردة في القانون ذاته، والمتمثلة في أدوار مندوب توفيق ومجلس توفيق والإحالة على محكمة عمالية.
والثانية تمثلت في المادة (44) التي حرمت غالبية العاملين أيضاً من حق المفاوضة الجماعية مع أصحاب الأعمال مرتين بالسنة على الأقل حسب نص القانون، لأنها اقتصرت أيضاً على العاملين الذين لديهم نقابات عمالية فقط. يأتي ذلك، وجميعنا يعلم أن الغالبية الكبرى من العاملين في الأردن غير منضوين تحت أي نقابة عمالية لأسباب عديدة، منها انعزال غالبية النقابات العمالية عن العمال، وغياب الممارسات الديمقراطية الداخلية في غالبيتها الكبرى.
أما الثالثة فتتمثل في القيود التي يفرضها قانون العمل في المادة (98) على حق العاملين في تشكيل نقابات تدافع عن مصالحهم، مع أن القانون منح أصحاب الأعمال حقهم في تشكيل نقاباتهم بحرية (وهذا حقهم)، لكنه حرم العاملين من الحق ذاته. وحتى التعديلات التي وضعتها لجنة العمل النيابية مؤخراً على مسودة القانون في منح الصلاحية للوزير بتحديد المهن التي يجوز لها تشكيل نقابات بدلا من اللجنة الثلاثية أبقت على جوهر هذه القيود.
ولم تستطع مختلف مؤسسات الدولة الرسمية حتى الآن الاقتناع أن توازن علاقات العمل هو المدخل الوحيد لإصلاح سوق العمل والحفاظ على توازناته، وبخلاف ذلك سيبقى سوق العمل وبالتالي الاقتصاد الوطني يعاني من اختلالات كبيرة، ويكفي أن نعرف أن مختلف هذه القيود لم تمنع العاملين في الأردن من تنفيذ أكثر من أربعة آلاف احتجاج خلال السنوات القليلة الماضية، ولم تمنعهم من تشكيل نقابات جديدة لهم.
الخلاصة، أنه من غير الممكن تحفيز اقتصادنا الوطني وبناء حالة من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بدون بناء علاقات عمل على أسس عادلة ومتوازنة، تضمن مصالح مختلف الأطراف، وتمكين القانون من أدوات تنفيذه، والمتمثلة بشكل أساسي في حقهم في تنظيم نقابي مستقل وديمقراطي، وتمكينهم من أدوات المفاوضة الجماعية.
صحيفة الغد الأردنية، 2018/12/24