فقط يومان تقريباً يفصلاننا عن بدء دوام الطلبة في العام الدراسي الجديد، فيما ما يزال إضراب المعلّمين عن الدوام قائماً. فإلى الآن، لا توجد لدينا معلومات دقيقة وواضحة حول ما تم التفاهم والتوافق عليه، وما يزال خاضعاً للمناقشة؛ فكلا الطرفين (أي النقابة والحكومة) يدّعي أنّ الطرف الآخر متعنّت في مواقفه وآرائه. وبينما يعلن وزير التربية والتعليم الموافقة على أغلب مطالب المعلمين باستثناء "علاوة الطبشورة"، فإنّ النقابة تنفي ذلك. وما نزال ننتظر أفق الحل والتفاهم على جدول وأجندة معلنة بين الطرفين، للعمل خلال الفترة المقبلة.
الوصول إلى تفاهمات وطنية ودية لتحسين أوضاع المعلمين وتحقيق مطالبهم، يستدعي أولاً وقبل كل شيء، الكفّ عن اللغة التي نسمعها ونقرؤها حالياً بين الأطراف المختلفة، وعدم الانجرار إلى منطق التجييش والحشد المتبادلين؛ فذلك يعزّز من الأزمة ويضعف من فرص الحل ومن مساحة المرونة المطلوبة.
وإذا كان هنالك تحفّظ من قبل نسبة كبيرة من الإعلاميين والسياسيين والمواطنين، يصل إلى درجة الشعور بالغضب والمرارة من اللجوء المتسرّع إلى فكرة الإضراب العام، فإنّ ذلك لا يبرر أبداً، كما جاء في بيان النقابة، تلك الحملة غير المنطقية ولا المقبولة في التجييش والتحريض على المعلّمين ونقابتهم من قبل الحكومة، فوصل الأمر إلى دفع بعض الأهالي، قصداً أو بغير قصد، إلى التهجّم على المعلمين والاعتداء عليهم في بعض المحافظات. فهذا المنطق البائس مرفوض وغير مقبول، ويؤدي إلى تكسير ما تبقى من قيمة لمهنة التدريس، ويعزّز من حالة الإحباط لدى المعلمين ويجذّر الأزمة الكبيرة التي بدت سافرة خلال الأيام الماضية، بعد نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، والامتحان التنافسي لقبول المرشحين لوظيفة المعلّم!
وفي السياق نفسه، فمن المخجل أن تعمل الماكينة الإعلامية الرسمية على استخدام نتائج امتحان الثانوية العامة كورقة ضغط ضد مطالب المعلّمين، وتحميلهم نتائج هذه "الكارثة الوطنية"، بل على النقيض من ذلك، فإن "الدولة" بسياساتها الرعناء خلال الأعوام الماضية هي من تتحمّل المسؤولية الأساسية عما وصلت إليه حالة التعليم في المدارس والجامعات!
المعلّمون هم ضحية مثل الطلبة تماماً. ولو لم تتحلّ النسبة العظمى منهم بالشجاعة والأمانة في الرقابة على امتحانات الثانوية العامة، وهم يتعرّضون للتهديد والوعيد والاعتداء من الأهالي، لما تمكّن وزير التربية والتعليم، د. محمد ذنيبات ومعه الحكومة، من تحقيق الإنجاز المهم في ضبط الامتحان وإعادة الهيبة له.
وإذا كنا لا نؤيد إضراب المعلمين، بالرغم من أحقية مطالبهم، فإنّنا ندعو الحكومة إلى عدم الانجرار لـ"تسييس" القضية وربطها بالإخوان المسلمين، أو حتى إقحام الماكينة الإعلامية فيها، ففي النتيجة إذا هُزم المعلمون لن تكون النتائج وردية على أبنائنا الطلبة!
ما نأمله من دولة رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم الذي نكنّ له كل الاحترام والتقدير، ألا يخلطا تحت ضغط الوقت والقلق من الإضراب، الأزمة الحالية في سياق التحريض والتحشيد، وأن يعملا جهدهما للخروج بحلّ توافقي، تمهيداً لإعادة تأهيل المعلّمين مادياً ونفسياً للمهمة المقدسة التي يقومون بها، ولإنقاذ التربية والتعليم من هذا الانهيار الكبير.