ما معنى أن يتأخر راتب موظف أو عامل لدى إحدى المؤسسات لما بعد انقضاء نهاية الشهر بأيام؟ ما الفائدة التي سترجى من تعطيل صرف المستحقات المالية، لأصحابها عدة أيام إضافية؟ و"الإضافية" هنا المقصود فيها، الواجبات والمصروفات والديون والأقساط والإحراجات الواقعة على صاحب الحق، والذي يكون في العادة موظفا بسيطا متعففا ومقهورا بالضرورة!
ذلك أن الموظفين الكبار، أصحاب العقود الضخمة التي تليق بأسمائهم وتاريخ عائلاتهم، ونفوذ معارفهم، لا علاقة لهم بالموضوع. رواتبهم التي لا يعرفون متى تصل الى البنوك، تتراكم تلقائيا قبل نهاية الشهر، فوق حساباتهم الجارية من دون حتى أن يكلفوا أنفسهم بالسؤال! وهذا لا علاقة له بالحسد لا سمح الله، بقدر ما يكون سؤالا برسم الدهشة، أن لماذا؟؟
ألا يدرك أصحاب العمل أن موظفيهم البسطاء أولئك يأتي عليهم آخر الشهر ولا يمتلك الواحد فيهم ثمن مواصلاته الى مقر عمله؟ ألم يسمعوا عن سكرتيرة، لا تستطيع مواصلة أعمالها بسبب انتهاء شحن بطاقة هاتفها، والمفترض ألا تدفعها أصلا من جيبها الخاص؟ أو عن محاسب تعوّد أن يدفع فائدة متراكمة، على قسط البنك بسبب تأخر صرف الراتب؟ ألم يصادفوا أرباب أسر يؤجلون زيارة الطبيب أو دعوة الأهل على الغداء، أو شراء الكاز لما بعد آخر جمعة في الشهر، بجمعة أخرى؟
ثم.. إن كان صاحب البيت المؤجر ينتظر قليلا، وصاحب الدكان يصبر قليلا، وصاحب المدرسة يفهم قليلا، ماذا تفعل فواتير الكهرباء والماء والهاتف الأرضي؟!
وثم.. هل ينتظر أو يصبر أو حتى يفهم، صاحب العمل إن تأخر أو تباطأ، إنتاج العامل هذا أو الموظفة تلك؟
المؤكد في هذا الإطار أن أياما قليلة، بعد انقضاء الشهر من دون تأدية الحقوق لأصحابها، لن تفيد أرباب العمل بشيء، اللهم إنها ستدفئ جيوبهم بمال الناس وحقوقهم المتأخرة على أعبائهم الكبيرة.
أقول لكل معني بهذا الأمر: حرام عليك ما تفعله بعمالك وموظفيك! حرام أن تسرق فرحة نهاية الشهر، وتؤجل وعود الآباء لأبنائهم يوما واحدا زيادة. حرام أن تضغط على شاب وعد خطيبته بمشوار الى أحد المولات. حرام أن تكسر خاطر صبية منت أمها بدفع قسط الجمعية عنها. حرام أن تحرم إنسانا حرا كرامته حين يستلم راتبا سيصرفه بالتأكيد في سد ثغرات التأخير المتعمد من دون أن تمنحه فرصة العيش الكريم لآخر الشهر الجديد.أقول له إن حكمة الحديث النبوي الإنساني راقي الحس نبيل الهدف، بأن تعطي الأجير حقه قبل أن يجف عرقه يصح أن تعيش لأيامنا هذه تنشر قيم الكرامة والعزة في ردهات مؤسستك وتخرج بها الى الشارع.
نريد إصلاحا وتغييرا؟ هذا باب لا بأس به يحقق إصلاحا في الإدارات المتعجرفة، عديمة الرحمة قليلة الفهم. ويبني لتغيير في مؤسسة الحوار المحترم بين الرئيس والمرؤوس، أساسه العدل في صناعة الحق والواجب.