الرئيسية > عمّال المطابع بالأردن.. انتهاكات وبيئة عمل خطرة دون حمايات اجتماعية كافية

عمّال المطابع بالأردن.. انتهاكات وبيئة عمل خطرة دون حمايات اجتماعية كافية

الاربعاء, 19 شباط 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
عمّال المطابع بالأردن.. انتهاكات وبيئة عمل خطرة دون حمايات اجتماعية كافية
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني 
يواجه العاملون في قطاع المطابع في الأردن انتهاكات عمّالية متعددة، تبدأ بتدني الأجور وعدم وملاءمتها لحجم الجهد المبذول، مروراً بغياب أدوات ومعايير السلامة والصحة المهنيّة، وانتهاءً باعتبارها "مهنة خطرة" دون تأميناً صحياً. 

تشير الشهادات العمّالية إلى أن بيئة العمل في المطابع التقليدية تشكل خطراً مباشراً على صحة العاملين بسبب التعرض المستمر للمواد الكيميائية السامة، الضجيج والاهتزازات، دون توفر أدوات وإجراءات السلامة والصحة المهنيّة، وغياب الدور الفعّال للنقابة المُمثلة عنهم بالدفاع عن حقوقهم، ما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل أصحاب العمل. 

كما تعاني بعض المطابع من نقص حاد في المعدات الحديثة، ما يزيد من صعوبة العمل ويرهق العمّال بمهمات إضافية دون تعويض مناسب. ورغم أن غالبية العاملين مشمولين بالضمان الاجتماعي ومعظمهم مسجّلون ضمن المهن الخطرة، إلا أنهم لا يتمتعون بتأمين صحي يخفف عنهم مخاطر بيئة العمل.

فيما، يدعو خبراء إلى تعزيز إجراءات الصحة والسلامة المهنيّة في هذا القطاع، من خلال تحديث المعدات وتوفير التهوية المناسبة وإلزام أصحاب العمل بتدريب العمّال على التعامل الآمن مع المواد الكيميائية. 

ويوصي الخبراء في حديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني" بزيادة مستويات الأجور في المطابع، وشمول جميع العاملين في التأمين الصحي، مع تفعيل الرقابة النقابية والحكومية لضمان بيئة عمل أكثر أماناً وإنصافاً.

مخاطر بلا تأمين صحي
يعمل محمد في إحدى المطابع بمحافظة إربد منذ ثلاثة أعوام ونصف، يتعامل بشكل مباشر مع الطابعات والأحبار، ما يجعله عرضة لمخاطر مهنيّة عديدة. تعرّض محمد في عامه الأول لإصابة عمل أثناء التخلص من عبوات الأحبار، بسبب عدم توفر أدوات السلامة المهنيّة الكافية، ولأن ليس لديه تأميناً صحياً تكبد كلفة العلاج على حسابه الخاص.

يقول محمد في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه ومع مرور الوقت اعتاد على الضجيج المستمر للطابعات، حتى أصبح جزءاً من يومه الطبيعي. ومع ذلك، فإن بيئة العمل تظل محفوفة بالمخاطر بسبب نقص أدوات السلامة والصحة المهنيّة، وعدم توفر إرشادات كافية حول كيفية التعامل مع المواد الكيميائية المستخدمة في الطباعة.

يتقاضى محمد راتباً مقداره 300 ديناراً شهرياً، ويعمل بنحو ثماني ساعات يومياً مع عطلة أسبوعية يوم الجمعة، وعندما يعاني أحياناً من الإرهاق وأمراض ناتجة عن الجهد المتراكم في العمل يتضاعف شعوره بالإرهاق لغياب التأمين الصحي. 

ويشير إلى أنه لا يمتلك معرفة كافية بإرشادات السلامة والصحة المهنيّة، وهو ما يشكل خطراً إضافياً على العاملين في المطابع، وبخاصة مع عدم توفر التدريب الكافي حول كيفية الوقاية من الإصابات المهنيّة.

يطالب محمد بتحسين الأجور بما يتناسب والجهد المبذول في هذا القطاع المرهق، وشمولهم في التأمين الصحي وتوفير بيئة عمل أكثر أماناً من خلال توفير أدوات السلامة والصحة المهنيّة، لضمان حقوقهم العمّالية وحمايتهم من المخاطر المهنيّة التي يتعرضون لها بشكل يومي.

أجور متدنية ومعدات تقلل الكفاءة
فيما، يعمل بلال، مصمم جرافيكي، في إحدى المطابع في العاصمة عمّان منذ خمسة أعوام، وقبلها تنقل للعمل في كل المسميات الوظيفة في قطاع المطابع ولديه خبرة في المجال تمتد إلى 24 عاماً. يتحدث عن طبيعة عمله والتحديات التي يواجهها يومياً في ظل ظروف عمله.

يوضح أن أبرز التحديات التي يواجهها في عمله تتمثل في نقص بعض الإمكانيات والمعدات الحديثة، التي من شأنها أن تُسهم في تسريع وتيرة العمل وتحسين دقته، فوجود الأجهزة المتطورة يُسهم في تحسين الإنتاجية، لكن كثير من المطابع تفتقر إلى هذه التجهيزات ما يعرقل سير العمل.

يقول بلال في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن ما يتقاضاه عمّال المطابع لا يتناسب مع حجم الجهد المبذول. فبالإضافة إلى دوره في التصميم الجرافيكي يجد نفسه مطالباً بالمشاركة في مهام أخرى مثل تجليد الكتب بعد طباعتها وتنفيذ الأختام؛ ما يزيد من أعبائه دون انعكاس ذلك على راتبه الذي لا يُجاوز 370 ديناراً شهرياً.

ويشير إلى إنه لا يحصل على الإجازات المرضية والعطل الرسمية بشكل منتظم، وهو أمر شائع بين غالبية العاملين في القطاع. ومعظم المطابع تفتقر إلى معايير السلامة والصحة المهنيّة، ما يجعل العمل أكثر خطورة على العمّال، وبخاصة عند التعامل المستمر مع الأحبار والمواد الكيميائية المستخدمة في الطباعة.

ويطالب بلال بتحديث المعدات والآلات في المطابع، والذي بدوره يُسهم في تحسين ظروف العمل وزيادة الكفاءة. بالإضافة إلى تحسين الأجور بحيث تعكس الجهود المبذولة، وتعزيز أدوات ومعايير السلامة والصحة المهنيّة لضمان بيئة عمل آمنة للعاملين.

14 ألف عامل.. هل لهم نقابة؟
العديد من التقارير تشير إلى ضعف الدور النقابي في الدفاع عن حقوق العمّال، ما يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات العمّالية وهيمنة أصحاب العمل.

وبالعودة إلى محمد فإنه يلاحظ عدم وجود تحرك نقابي حقيقي نحو الدفاع عن حقوقهم أو حتى ما إذا يعرف إذا كان هناك نقابة خاصة بهم تزيد من وعيهم على كيفية التعامل مع مخاطر بيئة العمل وتطالب بحقوقهم العمّالية حال تعرضوا لأي انتهاك عمّالي كما حدث معه في العام الأول من عمله وتعرضه لإصابة عمل. 

بدوره، يوضح رئيس النقابة المستقلة لعمّال المطابع يعقوب أبو طاعة في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن عدد العاملين في قطاع المطابع يبلغ 14 ألف عاملاً، من بينهم سبعة آلاف عامل يعملون في "الطباعة التقليدية" التي تصنف "مهنة خطرة" وفقاً لجدول المهن الخطرة الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي. 

ويؤكد أبو طاعة أن العاملين في قطاع المطابع يعانون من انخفاض الأجور التي يحصلون عليها وغياب شروط الصحة والسلامة المهنيّة والاستقرار الوظيفي والإجازات السنوية والمرضية والتأمين الصحي للعاملين وأسرهم.

ويوضح أن القطاع يعمل به نحو سبعة آلاف عاملاً مهاجراً، ومنذ سنوات صدر قرار من وزارة العمل بمنع تشغيل العمالة المهاجرة في قطاع المطابع وإعطاء الأولوية للعامل الأردني للعمل في هذا القطاع. 

وحول عدد الشكاوى التي وردت إلى النقابة، يشير أبو طاعة إلى أنها كثيرة وغالبيتها تفيد بتدني الأجور وغياب أدوات ومعايير السلامة والصحة المهنيّة وعدم الحصول على مختلف أنواع الإجازات. فيما لم يوضح الاستفسارات المتعلقة بدور النقابة والخطط التي تقوم بها لحماية العاملين وحقوقهم العمّالية.

مهنة خطرة تتطلب وعي
من جهته، يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي إن الطباعة التقليدية لها تأثيرات سلبية على صحة الإنسان العامل والفني المزاول لهذه المهنة، فالطبّاع التقليدي يقوم باستلام صفائح الطباعة وتركيبها وتجهيز ماكينات الطباعة وإجراء عملية الطباعة.

ويوضح أن بيئة العمل هذه تتضمن عوامل إضرار بصحة العامل نتيجة تعامله مع الأحبار والأصباغ والمذيبات العضوية ومستحضرات التنظيف والرصاص بشكل مباشر، بالإضافة إلى تعامله مع الآلات والماكينات التي تعرضه للإجهاد والاهتزاز والضجيج.

ويشير الصبيحي في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إلى أن هذه المهنة اعتبرت خطرة لأنها تحد من قدرة الإنسان العامل على مزاولتها كلما تقدم بالعمر وتغدو تأثيراته على صحته وسلامته أعلى مع التقدم بالسن.

ويعتقد بأن مهنة الطباعة التقليدية قد انحسرت وتراجعت بشكل كبير مع دخول الطباعة الحديثة المعتمدة على النظم الحاسوبية، والتي تقل فيها التأثيرات على صحة الإنسان العامل بشكل كبير رغم أن معظم العاملين في الطباعة التقليدية لدى مؤسسات وشركات مشمولين بالضمان الاجتماعي.

ويلفت إلى أن معظم العاملين بالطباعة مسجّلين كعاملين في مهنة خطرة وهذا بالتأكيد يحافظ على حقوقهم وسلامتهم ويمكّنهم من الخروج على التقاعد مبكراً في حال لم يستطيعوا الاستمرار بمزاولة هذه المهنة.

ويلاحظ أن هناك عددا من الشركات الصغيرة لا تزال تتعامل بأسلوب الطباعة التقليدية وربما بعضها غير مرخّص أيضاً، ويجب متابعتها ومتابعة العاملين فيها من أجل حمايتهم، وإلا ربما يتعرضون للإصابة بأمراض ناتجة عن المهنة وقد يُضطروا للخروج من سوق العمل معتلّين صحياً دون أي تغطية للحماية الاجتماعية لهم وأسرهم.

ويشدد الصبيحي على ضرورة استجابة أصحاب العمل للتشريعات وقبل هذا الاستجابة للضمير الإنساني والسعي لتوفير بيئة عمل آمِنة قدر الإمكان وتسجيل العاملين في الضمان الاجتماعي وفي المهن الخطرة، والتفكير بالانتقال من أسلوب الطباعة التقليدية إلى طرق الطباعة الحديثة الأقل خطورة على صحة العامل.

ويلاحظ أن هناك نقصاً كبيراً لدى العمّال وأصحاب العمل بمخاطر المهنة، وهذا يحتم على مؤسسة الضمان الاجتماعي تنفيذ حملات إعلامية توعوية مكثفة تشتمل التوعية بكل المهن الخطرة وطرق الوقاية والحث على تسجيل العمّال بالضمان.

مخاطر جمّة بلا إجراءات 
فيما، يقول الخبير في السلامة والصحة المهنية المهندس أسامة أبو نوّاس، إن المخاطر الصحية التي يواجهها العاملون في المطابع تتنوع بين أمراض الجهاز التنفسي والجلد والجهاز الهضمي، إلى جانب المخاطر الناتجة عن الضجيج والاهتزازات. 

ويوضح في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن مخاطر التعرض المستمر للأحبار والمذيبات العضوية التي تحتوي على مواد سامة مثل الرصاص والزنك، تأتي في مقدمة المخاطر والتي ربما تؤدي إلى أمراض خطيرة بما في ذلك مرض السرطان.

ويشير أبو نوّاس إلى أن استنشاق الحبر فوق البنفسجي المستخدم في عملية الطباعة يرفع من خطر الإصابة بالربو، وأن المواد الكيميائية المستخدمة في تنظيف الآلات تتسبب بمشاكل جلدية وتنفسية. وتتزايد احتمالية الإصابة بعدوى بكتيرية مثل "داء الفيالقة" نتيجة تلوث المواد الكيميائية وسوء التهوية، وفق أبو نوّاس.

ويلفت إلى أن الضجيج الناتج عن آلات الطباعة، ربما يؤدي إلى فقدان السمع التدريجي وطنين الأذن واضطرابات في النوم، في حين أن بيئة العمل السيئة تؤدي إلى آلام مزمنة في الظهر والمفاصل، وربما تتطور إلى مشاكل خطيرة مثل الانزلاق الغضروفي.

ويلاحظ أنه على الرغم من خطورة هذه المهنة، فإن العديد من أصحاب المطابع لا يوفرون التدريب الكافي للعمّال حول كيفية التعامل الآمن مع المواد الكيميائية والمعدات، وفق ما أكده المهندس أبو نوّاس، وبعض المنشآت لا تلتزم بتوفير بيئة عمل مناسبة من حيث التهوية والصيانة الدورية وتطبيق إجراءات السلامة.

ويقترح أبو نوّاس لتقليل المخاطر الصحية التي تواجه العاملين، تركيب أنظمة تهوية فعّالة للحد من تراكم الأبخرة والمواد الكيميائية الضارة، وإجراء فحوصات دورية لمستويات الضوضاء والإضاءة ودرجة التلوث الكيميائي.

كما ويقترح توفير معدات الحماية الشخصية وتدريب العمّال على طرق التعامل الآمن مع المواد الكيميائية وآليات تخزينها والتخلص منها بشكل آمن واستخدام آلات منخفضة الضجيج، ومنح العمّال فترات راحة منتظمة، وتقليل التعامل المباشر مع المواد الكيميائية باستبدالها بمواد أقل ضرراً.

فيما يؤكد أبو نوّاس أن التشريعات الحالية غير كافية لحماية العاملين في قطاع الطباعة، ويطالب بتعزيز الرقابة على التزام أصحاب العمل بإجراءات السلامة والصحة المهنيّة، وإلزام أصحاب العمل بتوفير تأمين صحي مناسب للعمّال.

ويدعو إلى تطوير معايير السلامة والصحة المهنيّة في هذا القطاع، وإجراء فحوصات طبية دورية للعمّال، إلى جانب توفير وجبات غذائية مدعمة مثل الحليب والبيض، والتي تساعد في تقليل تأثير المواد السامة على أجسادهم.