المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
بالتزامن مع تزايد الاعتماد على التجارة الإلكترونية في العالم، ظهرت مِهَن جديدة وأدوار متخصصة لتسهيل هذا التحول الرقمي، ومن بين هذه الأدوار "عمّال الوسطاء في التجارة الإلكترونية"، الذين يُعتبروا حلقة وصل بين شركات التجارة العالمية والعملاء المحليين.
يعتبر هذا العمل بمثابة فرصة لكثير من طالبي الوظائف في الأردن وبخاصة فئة الشباب، لتحقيق دخل مستقل يُعينهم على تغطية احتياجاتهم، في ظل معدلات البطالة العالية التي وصلت خلال الربع الثالث من العام 2024 الماضي 21.5 بالمئة.
وعلى الرغم من أن عمل الوسطاء في التجارة الإلكترونية يوفر مرونة كبيرة، إلا أنه يفتقر إلى الحمايات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي. فيما يعتمد البعض على هذا العمل كمصدر دخل إضافي إلى جانب أعمال أخرى، وآخرون يعتمدون عليه بشكل كامل، ما يجعلهم أكثر تأثراً بأي تغييرات في السوق أو سياسات الشركات.
وتعتمد عملية الوساطة على تواصل العملاء مع الوسيط عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي أو الهاتف، ويطلب العملاء المنتجات التي يرغبون بها عبر الوسطاء الذين لديهم حسابات على التطبيق الخاص بكل شركة تقدم خدماتها إلكترونياً، وبعدها يجمع الوسيط الطلبات ويرسلها إلى الشركة من خلال التطبيق، ثم يتابع عمليات الدفع والشحن والتوصيل مع مندوبي التوصيل.
هذا النوع من العمل، يعتمد بشكل أساسي على الوسائل الرقمية ويتيح للعاملين فيه إمكانية تحقيق دخل مرن دون الحاجة إلى التوظيف التقليدي أو المؤهلات الأكاديمية المتقدمة، ما يجعله خياراً جيداً للباحثين عن عمل.
لا يحتاج العمل بهذا المجال إلى خبرات كبيرة وإنما يعتمد فقط على مهارات بسيطة مثل التواصل الجيّد عبر منصات التواصل الاجتماعي وإدارة الطلبات الرقمية بكفاءة، وهو ما يتناسب مع النساء تحديدا اللاتي يبحثن عن فرص عمل مرنة تناسب ظروفهن الأسرية ولا يتطلب منهن الخروج من المنزل.
ويَعتبر خبراء اقتصاديون في حديثهم لـ"المرصد العمّالي الأردني" مهنة الوسيط في التجارة الإلكترونية نموذجاً جديداً بسوق العمل، وتوفر فرص عمل لطالبيها، إلا أنها لا تربطهم بعقود عمل رسمية مع الشركات التي يتعاملون معها ولا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، ما يجعل حقوقهم العمّالية غير مضمونة.
كما يعاني هذا النوع من الأعمال من غياب التمثيل النقابي والتنظيم القانوني، ما يجعل العاملين والعاملات فيها عرضةً للاستغلال من قبل الشركات التي قد تُعدّل سياسات الدفع أو تنهي تعاونها معهم دون أي التزام قانوني، وفق الخبراء الذين يطالبون بتنظيم هذا القطاع بما يضمن للعاملين الحقوق العمّالية ويوفر لهم الحمايات الاجتماعية.
فرصة لتحقيق دخل
ما جذب الشابة روعة التي تعمل وسيطة لإحدى شركات التجارة الإلكترونية العالمية منذ ثمانية أشهر، لهذا العمل هو بساطته ومرونته وعدم الحاجة إلى خبرات سابقة، ووجدت فيه فرصة لتحقيق دخل من خلال الربح على كل طلبية تنجح في إتمامها، ما يعني أن دخلها يزيد بزيادة طلبات العملاء لمنتجات الشركة التي تعمل وسيطة لها.
تقول روعة في حديثها لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن المهام اليومية لعملها تبدأ بمراجعة طلبات العملاء وأسعار المنتجات عبر التطبيقات المختلفة التي تستخدمها، وتعتمد في عملها بشكل أساسي على هاتفها المحمول، وتطبيقات التواصل الاجتماعية مثل تطبيق "الواتساب" وتطبيق الشركة التي تعمل معها.
توضح روعة أنها بعد مراجعة المنتجات لطلبات العملاء، تتأكد من توافر المنتجات عبر التطبيق قبل إرسال تأكيد الطلب إلى الشركة. وبعد ذلك، يتم تحديد موعد التسليم وتنسيقه مع الشركة وتخبر العملاء بالموعد، وهو ما يتطلب متابعة مستمرة لضمان عدم حدوث أخطاء أو تأخير.
تشير إلى أن العمل بالوساطة الإلكترونية قد يكون حلاً مناسباً لمن يبحثون عن دخل مرن دون الحاجة إلى التوظيف التقليدي، لكن غياب الاستقرار المالي يجعل الكثيرين منه يعتبرونه عملاً مؤقتاً وليس وظيفة دائمة؛ لأن الدخل يعتمد على عدد الطلبات التي يتمكن الوسيط إتمامها، فهناك شهوراً يكون الدخل فيها جيداً وأخرى يكون ضعيفاً.
وتلاحظ روعة أن بعض العاملين الوسطاء يواجهون تحديات في التعامل مع العملاء، وبخاصة فيما يتعلق بسياسة الإرجاع والاستبدال، فلا تستطيع التحكم في سياسات الشركات الكبرى، ما قد يسبب لها خسائر إذا اضطرت إلى تعويض العميل من مالها الخاص للحفاظ على سمعتها بين العملاء.
وتلفت إلى أن المنافسة بين الوسطاء تفرض عليهم تقديم مزايا إضافية، مثل تقديم عروض خاصة أو متابعة الطلبات بشكل مستمر، وهو ما يزيد من أعبائهم العملية دون أن يكون هناك مردود مالي ثابت.
عمل مرن للنساء
الحاجة إلى زيادة الدخل كانت الدافع الرئيسي لعمل الشابة سلمى كوسيطة لإحدى شركات التجارة العالمية الإلكترونية. تقول في حديثها لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنها استطاعت بناء ثقة مع عدد جيّد من العملاء من خلال تعاملها معهم، وتتعرف على جودة المنتجات التي تقدمها الشركة من خلال التعليقات تحت كل منتج داخل التطبيق، وهو ما يساعدها على تقديم نصائح موثوقة لعملائها.
وتشير إلى أنها بدأت هذا العمل كمصدر دخل إضافي إلى جانب بعض الأعمال الحرة الأخرى، لكنها تعرف العديد من الوسطاء الذين يعتمدون عليه بشكل كامل، ما يجعل استقرار الدخل والتعامل مع تقلبات السوق تحدياً رئيسياً لهم.
وتوضح أنها يجب أن تكون متاحة في أغلب الأوقات للرد على استفسارات العملاء، وأحيانا تتعامل مع تأخر في تسليم الطلبات أو نقص في بعض المنتجات، مما يضعها في موقف صعب مع العملاء الذين يتوقعون خدمة سلسة وسريعة.
فيما تلفت إلى أن عدم وجود أي عقد عمل رسمي يجعل الوسطاء عرضة لتغييرات سياسات الشركات التي يتعاملون معها، حيث يمكن أن تقل عمولاتهم أو يتم إنهاء تعاونهم مع الشركة دون سابق إنذار.
وتنوّه بأنه لا يوجد وقت محدد لعملها، حيث يجب أن تكون على تواصل مستمر مع العملاء، فيما تجمع الطلبات مرتين في الشهر لتحقيق أفضل الخصومات، ما يرفع من أرباحها ودخلها، والذي يعتمد على عدد الطلبات والمناسبات ففي بعض الأشهر يصل إلى أكثر من 300 دينارا، بينما ينخفض في أشهر أخرى إلى نحو 100 دينار.
وترى سلمى أنه على الرغم من أن مستوى الأجور في هذا العمل متدني، إلا أنه يعتبر مناسب للنساء، وبخاصة اللاتي لا يستطعن الخروج من المنزل بسبب الالتزامات الأسرية، وتشجعهن على دخول هذا المجال لتحسين دخلهن.
وتتوقع نمو هذا المجال بسبب تزايد أعداد شركات التجارة الإلكترونية وتوسع قاعدة العملاء. وترى أن التجارة الإلكترونية توفر الوقت والجهد والمال على العملاء، وتساعد في تحسين الدخل للأفراد الذين لديهم التزامات مالية لا يمكن تغطيتها عبر وظائفهم الأساسية.
وتأمل سلمى في ظل نمو هذه المهنة أن يجري تنظيم هذا النوع من الأعمال للحد من التحديات الأمنية مثل الاختراق والتحايل وسرقة الحسابات، وتعتبر تنظيم هذه المهنة خطوة إيجابية لضمان سلامة العاملين فيها وحماية حقوقهم.
الحاجة لنظام تنظيمي
الخبير الاقتصادي حسام عايش، يرى أن هذا النوع من الأعمال غير واضح ويمكن تصنيفه ضمن الاقتصاد الموازي غير المنظم، والعاملين فيه خارج الإطار القانوني ويعملون بنظام العمولة وليس بنظام الراتب.
ويؤكد على ضرورة دراسة مدى اعتماد الوسطاء على هذه المهنة بشكل أساسي كمصدر دخل رئيسي أو كعمل إضافي لتحسين أوضاعهم المالية، وأهمية توفير الحمايات القانونية والاجتماعية لتعزيز استدامة هذه المهنة وحماية حقوق العاملين فيها.
ويوضح عايش في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" أن العاملين بهذا النوع من الأعمال لا يتمتعون بأي نوع من الحمايات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي. ويلفت إلى أن غياب العقود الرسمية يجعل الوسطاء في وضع غير مستقر، ويمكن للشركات إنهاء تعاونها معهم في أي وقت دون أي التزام قانوني تجاههم.
ويطالب الحكومة بتوفير قاعدة بيانات وأرقام ونسب حول هذا النوع من الأعمال وانتقاله من الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي دون فرض رسوم على العاملين، وإن لزم الأمر أن تكون رسوم قليلة.
كما يطالب بوضع نظام خاص ينظم كل جوانب هذا النوع من الأعمال حتى يكون التعامل مع العاملين بشكل قانوني وليس بمزاجية، وهو ما يزيد الثقة بينهم وبين العملاء، بالإضافة إلى شمول العاملين بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي بشكل لا يؤثر على ما يحصلون عليه.
تحسين ظروف العمل
فيما يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور أيمن خزاعلة أن التطورات التقنية أضافت مهناً جديدة إلى سوق العمل، تتطلب مهارات متنوعة مثل تطوير التطبيقات، وتصميم تجربة المستخدم والتحليل البياني فضلاً عن التسويق الرقمي، مشيرا إلى أن من ميزات هذا المجال إتاحة العمل عن بُعد، حيث يمكن للعاملين فيها أداء مهامهم من أي مكان، ما يفتح المجال لفرص وظيفية متنوعة ويعزز الاقتصاد الرقمي العالمي.
ويلاحظ خزاعلة في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن التجارة الإلكترونية تطورت وأصبحت أكثر من مجرد وسيلة لبيع وشراء المنتجات، بل باتت نظاماً متكاملاً يعتمد على أحدث التقنيات لتعزيز تجربة العملاء وزيادة كفاءة الأعمال. ومع استمرار هذا النمو والتحولات السريعة في القطاع، تفتح التجارة الإلكترونية فرصاً للابتكار وتوفير وظائف جديدة، ما يجعلها إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الرقمي في المستقبل.
ويلفت إلى أن عمّال الوسطاء في التجارة الإلكترونية يواجهون مجموعة من التحديات، من بينها المنافسة الشديدة في السوق الرقمي والتي تتطلب تقديم خدمات متميزة بأسعار تنافسية. ومع تزايد المعاملات عبر الإنترنت بات أمن البيانات وحمايتها أحد أهم التحديات، ما يستوجب اتخاذ إجراءات أمنية لحماية بيانات العاملين والعملاء من أي اختراقات ربما تضر بسمعتهم.
ويشير إلى أن هناك تحديات متعلقة بإدارة المخزون وتكاليف الشحن والتسليم في الوقت المناسب، وبخاصة عند التعامل مع الشحنات الدولية. وفي هذا الخصوص يتعين على الوسطاء مواكبة التشريعات المتغيرة محلياً ودولياً، لضمان الامتثال للقوانين وتجنب أي عقوبات قانونية.