الرئيسية > العاملون بالمقاهي.. توسع اقتصادي يواجه غياب التنظيم والتمثيل النقابي

العاملون بالمقاهي.. توسع اقتصادي يواجه غياب التنظيم والتمثيل النقابي

الثلاثاء, 21 كانون الثاني 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
العاملون بالمقاهي.. توسع اقتصادي يواجه غياب التنظيم والتمثيل النقابي
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني 
يعتبر قطاع المقاهي في الأردن من أكثر القطاعات الاقتصادية التي تشهد نمواً متسارعاً، مما يجعله مصدرا لتوفير فرص عمل وبخاصة لفئة الشباب في ظل ارتفاع معدل البطالة الذي وصل إلى 21.5 بالمئة خلال الربع الثالث من عام 2024.

وعلى الرغم من قصص النجاح التي تثبت إمكانية التطور المهني في هذا المجال، إلا أن تأثيره يبقى محدوداً بخفض معدل البطالة؛ نظراً للتحديات التي تواجه العاملين، ومنها؛ غياب الأمان الوظيفي وتدني الأجور وغياب الحمايات الاجتماعية أحيانا، إضافة إلى غياب التمثيل النقابي الذي يضمن حقوقهم العمّالية. 

وفي هذا الصدد، يطالب عاملون بهذا القطاع وخبراء في حديثهم لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن يكون للدور الحكومي فعالية أكبر، لتنظيم القطاع وضمان حقوق العاملين فيه، وتطوير مهاراتهم من خلال تقديم تدريبات متخصصة تحقق استقراراً لهم في بيئة العمل.

تَدرّج ليُصبح مدير مقهى
بدأ عبدالله النعاجي رحلته في قطاع المقاهي عام 2013 دون أي خبرة، وبراتب لم يُجاوز 170 ديناراً شهرياً. كانت البداية صعبة لكنه واجهها متنقلاً بين عدة أماكن عمل اكتسب فيها خبرات متعددة، حتى أصبح مديراً لفرع أحد المقاهي. 

يستذكر النعاجي بداياته في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" ويقول إنه كان يعمل بدوام جزئي بواقع أربع إلى خمس ساعات في اليوم، وبعدها تطور تدريجياً من موظف إلى موظف شيف، ثم مدير شيف إلى أن أصبح مدير فرع.

يعتَبِر النعاجي أن السبب الرئيسي وراء توجه الشباب للعمل في هذا القطاع هو مرونة ساعات العمل التي تتناسب ودوام الجامعات، فمعظم العاملين في المقاهي من طلبة الجامعات. 

وعلى الرغم مرونة ساعات العمل في هذا القطاع، إلا أن العاملين فيه، وفق النعاجي، يواجهون تحديات عديدة، أبرزها تدني الأجور وبخاصة في البدايات، حيث أن راتب العامل الجديد يكون متدنياً بحجة التدريب وقلة الخبرة، ولكن مع اكتساب الخبرة يتحسن الوضع تدريجياً.

أما عن ساعات العمل، يوضح النعاجي أنها لا تقل عن تسع ساعات يومياً بعد إتمام فترة التجربة، وهو أمر يتطلب جهداً وصبراً كبيرين، والكثير من الشباب يجدون صعوبة في تغطية نفقات حياتهم الأساسية مثل قسط الجامعة والمواصلات والطعام، وبخاصة إذا كانوا يساعدون أسرهم.

ويلاحظ النعاجي أن التدريب هو عنصر أساسي لضمان جودة العمل في المقاهي، لكن للأسف ليس كل المقاهي تقدم هذا الدعم، وهناك عدد محدود من المقاهي تُقدم دورات تدريبية للعاملين لضمان جودة الوصفات وتوحيد الطعم.

أما عن التأمينات الاجتماعية، فيشير إلى أن الضمان الاجتماعي لا يشمل جميع العاملين في القطاع، بينما التأمين الصحي غير متوفر في الغالب إلا إذا كانت الجهة المشغلة شركة دولية، ومن الضروري أن يكون هناك دعم أكبر للشباب مثل توفير التأمينات الاجتماعية والصحية لضمان بيئة عمل أفضل.

20 عاماً بالمهنة 
فيما بدأ محمد عاشور الذي يمتلك خبرة تمتد لأكثر من 20 عاماً في مجال إعداد القهوة، مسيرته المهنية عام 2005 بحماس وشغف كبيرين وتمكن من إثبات جدارته في هذا المجال.

وتمكّن عاشور في العمل إلى أن أصبح "مشرف باريستا" في أحد المقاهي المرموقة، ويقول في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه أحب عمله، وأن أي شخص يحب عمله سيشعر دائماً بأنه يحقق إنجازاً مهما كانت طبيعته.

ورغم حبه لعمله اضطر عاشور لترك وظيفته قبل عام، ليبدأ رحلة البحث عن فرصة جديدة.

يوضح عاشور أن طبيعة عمله كمشرف باريستا يعتمد على الالتزام والانضباط واحترام القوانين الداخلية، مثل الالتزام بالزي الرسمي، الحضور في الوقت المحدد والتعامل مع الزملاء بأدب واحترام. 

ويشير إلى أن الأمر الأساسي في هذا المجال هو التعامل مع العملاء بابتسامة وترحيب عند دخولهم المحل فالتواصل الجيّد مع العملاء كان مفتاح نجاحه في المهنة.

ويلفت إلى أن راتب العاملين في هذا المجال يتراوح بين 350 و450 ديناراً شهرياً، ويعتمد ذلك على الخبرة والكفاءة، فيما معظم المقاهي توفر للعاملين ضماناً اجتماعياً، ولكن عادة يكون بعد فترة تجربة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. 

ورغم التحديات التي واجهها عاشور في مسيرته، يبقى متمسكاً بنظرته الإيجابية تجاه عمله ويصف عمله بإعداد القهوة والتعامل مع الزبائن بأنه "فرصة"، والعمل بضمير هو ما يجعل التعب يزول ويتحول إلى شعور بالإنجاز.

غياب التمثيل النقابي
العاملون في قطاع المقاهي، بما في ذلك الباريستا، غالباً ما يُعتبرون عاملون بمحلات تجارية، ما يضعهم خارج التمثيل النقابي والحماية القانونية. وهذا الأمر يثير جدلاً حول غياب التمثيل النقابي لهذه الفئة وما يترتب من تحديات لضمان حقوقهم.

وعلى ضوء ذلك، يؤكد النعاجي أن شمول العاملين تحت مظلة نقابية يُسهم في تحسين ظروف العمل وضمان حقوق العاملين وأصحاب المقاهي على حد سواء، ووجود جهة مسؤولة يمكن للعاملين التوجه إليها لضمان حقوقهم سيكون خطوة كبيرة نحو تحسين هذا القطاع وجعله أكثر استقراراً.

بدوره، يؤكد رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة خالد أبو مرجوب أن غياب التمثيل النقابي لهذه الفئة العمّالية يجعلها مُعرّضة لانتهاكات كبيرة وخطيرة ويجب أن يكون هناك من يحمي حقوقهم، مشيرا إلى أن هدف النقابة حماية حقوق منتسبيها وتحقيق مكاسب عمّالية لهم، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد الذي يمثلهم وهي الجهة المفوضة بتوقيع أي اتفاق جماعي.

ويوضح أبو مرجوب في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن النقابة تبذل جهوداً كبيرة في الوقت الحالي لتشمل كافة العاملين بالمقاهي تحت مظلتها وهناك خطة لذلك، وتسعى النقابة بقوة لتمثيل هذا القطاع علما بأنها الممثل الشرعي الوحيد للعاملين فيه، وأن النقابة على استعداد لتلقي أي مبادرة تُسهم في رفع مستواها ومستوى العمّال من تدريب وتعليم وتثقيف.

ويلفت إلى أن العبء الأكبر يبقى على العامل وقدرته على أن يتواصل مع النقابة لتعريفه بحقوقه الوظيفية، بما فيها الحمايات الاجتماعية وتحقيق الأمن الوظيفي والحماية من الفصل التعسفي والعمل على رفع المستوى الاقتصادي والمهني والثقافي للعاملين على اختلاف أنواع المحلات التجارية التي يعملون بها.

ويستدرك أبو مرجوب بأن النقابات العمّالية دائما ما تُسهم في رفع مستوى معيشة منتسبيها، لكن تكمن المشكلة في بعض العمّال وتخوفهم من اللجوء إلى النقابات مع العلم أن لجوئهم إلى النقابات يحميهم وظيفياً ولا يمكن لصاحب العمل أن يفصلهم من عملهم، ويكون العامل تحت حماية النقابة.

فرص مؤقتة وتحديات متعددة
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن قطاع المقاهي رغم توسعه يظل محدوداً من حيث استيعابه للعمالة، ومعظم العاملين فيه من الشباب وطلبة الجامعات الذين يعملون بشكل موسمي أو لفترات مؤقتة لتغطية احتياجاتهم المالية. 

ويوضح عايش أن العديد من العاملين بالقطاع يعملون دون عقود رسمية تخضع للضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، ما يجعل وظائفهم غير مستقرة ولا تضمن الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية.

ويشير إلى أن تأثير القطاع على معدلات البطالة لا يزال محدوداً، نظراً لأن نسبة الإنفاق على الترفيه في الأردن لا تجاوز 2.6 بالمئة من دخل الأسر وهذا يعني تأثر النشاط الاقتصادي ويعني تأثر فرص العمل أيضاً. ومع تغير المواسم قد يتراجع الإقبال على المقاهي، ما يُعزز الطبيعة الموسمية للعمل بهذا القطاع.

أرقام ونسب 
بحسب إحصائيات المنظمة الدولية للقهوة لعام 2020، فإن الأردن يحتل المرتبة الرابعة عربياً في استهلاك القهوة، بمتوسط استهلاك يبلغ نحو كيلوغرامين للفرد سنوياً، وهذا الطلب الكبير على القهوة يُعزز فرص العمل في هذه المهنة. ومع ذلك، لا تتوفر أرقاما دقيقة حول عدد العاملين في هذا القطاع ونسبة إسهامه في تخفيف معدلات البطالة.

فيما يؤكد تقرير أصدرته اندبندنت عربية أن عدد المقاهي المحلية في الأردن زاد بنسبة 30 بالمئة وارتفعت فرص العمل في قطاع المقاهي بنسبة 15 بالمئة في عام 2023. ويرجع التقرير ذلك إلى الإقبال المتزايد على المقاهي التي تقدم خدمات ومنتجات محلية، وبخاصة بعد حملات المقاطعة للمنتجات الأجنبية التي انطلقت بعد السابع من أكتوبر 2023. 

التقرير الذي جاء بعنوان "فنجان القهوة يوفر فرص عمل واعدة للأردنيين" يُقدر وجود ما يُقارب 500 مقهى في العاصمة عمّان وحدها، في المقابل يخشى أن يكون انتشار المقاهي في كل مكان بالعاصمة عمّان ظاهرة مؤقتة ومدفوعة بحماس اقتصادي غير مدروس.