المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
يواجه العاملون في القطاع السياحي الأردني خطراً حقيقياً يُهدد مصدر رزقهم، بسبب استمرار التراجع الكبير في أداء القطاع نتيجة الأوضاع الإقليمية المضطربة، وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزّة منذ 15 شهراً.
ومع استمرار التوترات الإقليمية، يواجه القطاع أزمة غير مسبوقة تُهدد استقراره، وتضع أكثر من 50 ألف عاملاً وعاملة على حافة التسريح من العمل، حيث شهدت المنشآت السياحية على اختلاف أنواعها تراجعاً حاداً في أعداد الزوار والعائدات؛ ما أدى إلى انخفاض النشاط السياحي بنسبة 70 بالمئة، وفق ما صرّحت به النقابة العامة للعاملين في قطاع السياحة.
ومنذ جائحة كورونا في عام 2020 وحتى نهاية العام 2024 المنصرم، أُغلقت نحو 126 منشأة فندقية، وفق ما صرّح به نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية حسين الهلالات لوسائل إعلام محلية قبل أيام، في حين تعاني المنشآت الفندقية التي لم تغلق بعد من تراجع كبير في الإقبال عليها، نتيجة تأثر القطاع السياحي بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
ويُسهم القطاع السياحي في الأردن في الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغت مساهمته خلال العام 2023 ما نسبته 14.6 بالمئة، وفق أرقام وزارة السياحة، وسط تأكيدات الخبراء الاقتصاديون بتراجع النسبة للعام 2024 المنصرم، جرّاء الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها القطاع منذ أشهر، ما يتطلب وضع حلول وخطط لمواجهة الأزمة التي تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني ككل وجميع العاملين بالقطاع السياحي بشكل خاص.
عاملون بمواجهة القحط السياحي
يعمل محمد شيف في أحد فنادق مدينة البتراء، وهو واحد من بين 170 عاملاً في الفندق الذين تأثروا بشكل مباشر نتيجة تراجع القطاع السياحي في الأردن، ومنذ بدء تراجع القطاع تدهور الوضع الوظيفي لمحمد، حيث انخفض دخله الشهري من 500 دينارا إلى 300 دينارا.
يقول محمد في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن تدني بدل الخدمة (التي كانت نسبتها قبل جائحة كورونا 10 بالمئة وانخفضت إلى 5 بالمئة بعد الجائحة)، أصبح واضحاً تأثيرها السلبي بسبب انخفاض أعداد الزبائن والسياح.
ويوضح إنه كان يحصل على 246 ديناراً كقيمة مثبتة في الضمان الاجتماعي إلى جانب راتبه الأساسي، أما الآن فلم يبقى له سوى 49 ديناراً كبدل خدمة، ولم تترك له الأزمة كثير من الخيارات.
ويشير إلى أن الصعوبات التي تواجهه ليست مالية فقط، بل نفسية أيضاً، وأن انعدام الشغف أدى إلى تراجع أداءه الوظيفي، والظروف التي يمر بها قطاع السياحة ألقت بظلالها على معنويات العاملين، ناهيك عن أنه لم تُقدم لهم أي جهة دعماً أو تعويضاً منذ بداية الأزمة.
ويطالب محمد بوضع استراتيجيات فعّالة لجذب السياح، واستفادة هيئة تنشيط السياحة من تجارب الدول المجاورة مثل مصر، التي تقدم تسهيلات وعروضاً للسياح وشركات الطيران، بالإضافة إلى جذب الزوار من مختلف الجنسيات وإنعاش القطاع السياحي مجدداً.
فيما، لم تسلم المشاريع العائلية الصغيرة من تداعيات تأثر القطاع السياحي، فمشروع السيدة زينب الذي بدأته منذ أربعة أعوام بإنتاج المأكولات الشعبية الأردنية بالقرب من أحد المواقع الأثرية في عمّان يشهد انخفاضا حادا في الإيرادات بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، نتيجة انخفاض أعداد الزوار الأجانب والمحليين، ما أثر سلباً على معيشتها وأسرتها التي تعتمد على المشروع كمصدر أساسي للدخل.
تقول زينب في حديثها لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن الالتزامات الشهرية للمشروع والأسرة تصل إلى 500 ديناراً، وهي الآن مع الوضع الحالي بالكاد تستطيع تغطية هذه الالتزامات.
وذكرت زينب أن فترة عمل برنامج "أردنّا جنة" كانت من أكثر الفترات التي شهد فيها مشروعها ازدهاراً، وأسهم بجذب السياح المحليين إلى الموقع وانعكس إيجاباً على مبيعاتها، إلا أن المشروع في الوقت الحالي يشهد تدهوراً يُهدد إغلاقه.
وتدعو زينب إلى تنفيذ برامج تدعم المنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة، وتطالب بإعادة إطلاق برنامج "أردنّا جنة" لتشجيع السياحة الداخلية وبخاصة في المواقع الأثرية، وتنفيذ خطط تحفيزية للسياحة الخارجية لضمان عودة التدفق السياحي إلى الأردن.
بينما، وادي رم الذي يعتبر أحد أضلع المثلث الذهبي للسياحة في الأردن، توقفت غالبية المشاريع السياحية فيه والتي تقدم خدمة المبيت للسياح عن العمل، تاركة أصحابها والعاملين في مهب الريح دون أن يلتفت أحد من الجهات المعنية لذلك.
ومن بين هذه المشاريع، مشروع الشاب متعب الذي كان قبل الأزمة يوفر فرص عمل له ولـ16 عاملاً من أبناء المنطقة بين سائقي مركبات وعمّال داخل المخيم السياحي، وقبل أن تتحول طاقته الاستيعابية البالغة 180 سائحاً إلى جانب العمّال الـ16 إلى مجرد حارس وحيد يحافظ على موقع المخيم شبه المهجور.
يبعد المخيم السياحي 4 كيلومترات عن مركز مدينة وادي رم، ما يفرض كُلف تشغيلية إضافية بما في ذلك نقل السياح التي تصل إلى 200 ديناراً لكل يوم، إلى جانب صيانة المخيم وتجهيزه لاستقبال الزوار، وهي تكاليف أصبحت مرهِقة مع غياب أي دعم حكومي، وفق متعب.
ومع انخفاض أعداد الزوار إلى المنطقة وتوقف أعمال مشروعه، اضطر متعب إلى إيقاف دفع رواتب العمّال الذين كانوا يشكلون أساس تشغيل المشروع، فيما تستمر التزامات التراخيص والرسوم الحكومية التي تثقل كاهله دون أي تدخل من الجهات المسؤولة لتخفيف الأعباء أو تقديم تسهيلات.
ولم يصل الأمر عند هذا الحد فسحب، فإيقاف برنامج "أردنّا جنّة" وفق متعب، فاقم الأزمة الذي كان يشكل متنفساً اقتصادياً لجميع المخيمات السياحية والعاملين فيها في وادي رم، وتأثر المستوى المعيشي له والعاملين جميعهم.
يقول متعب في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن البرنامج كان يدعم المخيم ويحقق أرباحاً تصل إلى 1800 ديناراً أسبوعياً من خلال رحلات نهاية الأسبوع، أما اليوم مع توقفه وتراجع السياحة الأجنبية يخسر مشروعه نحو 300 ديناراً شهرياً لتغطية راتب الحارس وصيانة المخيم.
ويشير متعب إلى أن البرنامج لم يكن مجرد وسيلة لتعزيز السياحة الداخلية، بل كان سلسلة مترابطة من الأنشطة التي استفادت منها المخيمات والفنادق والمطاعم والعاملين في القطاع السياحي جمعيهم.
ويشدد على ضرورة استئناف برنامج "أردنّا جنّة" كخطوة أولى لإنعاش السياحة في الأردن، ولإنقاذ جميع المنشآت المرتبطة في هذا القطاع والحفاظ على العاملين فيه.
ويطالب متعب وزارة السياحة بتقديم دعم مباشر للمنشآت السياحية، مثل تغطية كلف النقل أو تخصيص دعم مالي للصيانة، إلى جانب وضع خطة شاملة تبدأ من استقبال السياح في المطارات وتنتهي بدعم الأنشطة المرتبطة بالحركة السياحية.
النقابة: ضرورة حماية الوظائف والعاملين
من جهته، يقول رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة خالد أبو مرجوب إن القطاع السياحي يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الأردني الأساسية، ويرفد خزينة الدولة من 3 إلى 6 مليارات دولار سنوياً.
ويوضح أبو مرجوب في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" أن القطاع يُسهم بنسبة 15.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، يواجه القطاع أزمة غير مسبوقة منذ الربع الأخير من عام 2023، ما أدى إلى انخفاض في النشاط السياحي بنسبة 70 بالمئة.
ويؤكد أنه نحو 50 ألف عاملا في القطاع السياحي تأثر بالأزمة الحالية، واضطرت الكثير من المنشآت إلى تخفيض طاقاتها التشغيلية أو التوقف عن العمل كلياً (دون أن يذكر عددها)، ما جعل العمّال بمواجهة مستقبل وظيفي مجهول.
ويشير أبو مرجوب إلى أن الأزمة شملت سلسلة واسعة من المهن المرتبطة بالنشاط السياحي، مثل مكاتب السياحة والسفر والمرشدين السياحيين ومحلات بيع المنتجات السياحية ومكاتب تأجير السيارات.
ويشير إلى أن العاملين في القطاع يعانون من غياب الحماية الاجتماعية وانعدام الاستقرار الوظيفي، ما يزيد من الضغوط المعيشية عليهم في ظل ارتفاع معدلات البطالة. ويطالب الحكومة بتدخل عاجل لحماية العاملين ومنع التسريح الجماعي لهم.
ويوضح أن أجور العاملين تضررت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ما يستدعي تقديم الدعم اللازم للنهوض بواقعهم المعيشي، باعتبارهم العمود الفقري الذي يعزز عجلة الاقتصاد والسياحة في البلاد، مع ضرورة التزام أصحاب العمل بقرار رفع الحد الأدنى للأجور الأخير إلى 290 ديناراً، الذي بدأ تطبيقه مع دخول العام الجديد.
ويقترح أبو مرجوب عدة إجراءات عاجلة للحفاظ على وظائف العاملين في القطاع السياحي، منها؛ إطلاق برامج حماية اجتماعية، ومنح المنشآت السياحية قروضاً ميسّرة من البنك المركزي لدعمها خلال الأزمة، وإنشاء صندوق تحت رعاية وزارة السياحة أو جمعية الفنادق لدعم المنشآت السياحية والعاملين فيها، وتدخل وزارة السياحة لتنسيق الجهود واتخاذ إجراءات تخفف من معاناة أصحاب العمل وتحمي الوظائف.
غياب خطة حكومية لدعم العمّال
في ظل الأزمة غير المسبوقة التي يعاني منها القطاع السياحي، أطلقت الحكومة خططاً لتعويض انخفاض أعداد السيّاح القادمين إلى المملكة، مثل التركيز على أسواق جديدة. ورغم ذلك لا تزال هناك فجوة كبيرة فيما يتعلق بدعم العمّال المتضررين.
وعلى ضوء ذلك، يرى أبو مرجوب أن إجراءات مثل جدولة القروض لفنادق أو تأجيل الالتزامات غير كافية لدعم القطاع أو العمّال بشكل شامل.
ويؤكد أبو مرجوب أن النقابة تسعى بكل طاقتها إلى حماية حقوق العمّال في القطاع السياحي، لكنها تواجه تحديات كبيرة نظراً للأوضاع الحالية، إضافة إلى أنها مؤسسة غير ربحية تعتمد على الدعم من اتفاقيات جماعية أو تبرعات، ما يجعل تقديم دعم مباشر للعمّال أمراً خارج إمكانياتها.
التركيز على السائح الأردني.. حل مؤقت
بدوره يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني"، أن تراجع القطاع السياحي تسبب بانخفاض النشاط السياحي بنحو 3 بالمئة، ما أثر سلبا على العاملين في القطاع والمهن المرتبطة به أكان من حيث الاستقرار الوظيفي أو المالي.
ويوضح عايش لـ"المرصد العمالي" أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر تضرراً في القطاع السياحي، فهي تعاني من ضعف البنية المالية والتسويقية، ما دفع بعض أصحابها إلى تسريح العمّال لديهم أو تخفيض الرواتب أو حتى التوقف المؤقت عن العمل لحين تحسن الأوضاع.
ويقترح عايش إشراك المواطن الأردني في العملية السياحية عبر برامج تستهدف تعزيز السياحة الداخلية، كحل مؤقت، لأن ذلك يمكن أن يُسهم في تقليل الفجوة بين الأداء السياحي في الأوقات العادية والتراجع خلال الأزمات.
ويشدد عايش على أهمية التركيز على السائح الأردني وتوفير منتجات سياحية تتناسب ودخله الأسري باعتباره عنصراً محورياً لاستدامة الصناعة السياحية وبخاصة في الأوقات الصعبة.
كما ويشدد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية للحفاظ على استدامة القطاع وتعزيز قدرته على مواجهة الأزمات وتحسين البنية التحتية للنقل بما في ذلك تعزيز وسائل النقل البري وإنشاء سكك حديدية وتطوير النقل الجوي من خلال مطارات صغيرة وطائرات منخفضة التكلفة لنقل السياح إلى الوجهات السياحية المختلفة.
ويقترح عايش تأجيل الضرائب والرسوم على المنشآت السياحية المتضررة، وتوفير قروض ميسرة بأسعار فائدة منخفضة لدعم استمراريتها، وضرورة استلهام التجارب الدولية في إدارة الأزمات السياحية وتطبيق استراتيجيات بديلة تتناسب والظروف الاستثنائية.