عمّان، 10 كانون أول 2024
أوصى خبراء بضرورة تعزيز قدرات مؤسسات المجتمع المدني في الأردن، لتمكينها من المناصرة بفعالية حيال تحقيق العدالة الاجتماعية والحوكمة الاقتصادية.
وأكد الخبراء على ضرورة تهيئة بيئة سياسية أكثر شمولاً وتشاركية لضمان إيصال أصوات المجتمع المدني وانخراطه في صنع القرار.
جاء ذلك في ورشة عمل عقدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، لمناقشة التحديات والعقبات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني في المشاركة المدنية والدعوة إلى العدالة الاجتماعية.
وقال مدير مركز الفينيق أحمد عوض، خلال افتتاح الورشة، إن المجتمع المدني يشكل ركيزة أساسية لأي مجتمع ديمقراطي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مؤكدا على أهمية الحفاظ على استقلالية منظمات المجتمع المدني، لأن استقلالها يشكل حجر الأساس لنجاحها في تحقيق أهدافها.
ومع ذلك، بين عوض أن هناك مجموعة من التحديات التي تعترض طريق المجتمع المدني في الأردن، بدءاً من التحديات التشريعية التي تفرض قيوداً على حرية التنظيم والتعبير، إلى التحديات الداخلية المتعلقة بالحوكمة والشفافية داخل المنظمات نفسها.
وعرضت الباحثة في مركز الفينيق هديل القضاة، في الجلسة الأولى من ورشة العمل، تقرير أعده المركز حول حالة المجتمع المدني في الأردن لعام 2024، والإنجازات التي حققها، والتحديات التي ما يزال يواجهها.
وبينت القضاة أن القوانين والأنظمة الحالية الناظمة لعمل منظمات المجتمع المدني ما تزال تفرض العديد من التحديات التي تعيق عملها وفاعليتها، مشيرة إلى أبرز هذه التحديات، وتتمثل في القيود المفروضة على تسجيل الجمعيات، والرقابة المفرطة على أنشطتها المالية والإدارية، بالإضافة إلى المتطلبات الإدارية المعقدة للحصول على التمويل المحلي والأجنبي.
وتطرقت القضاة إلى تحديات البيئة التشريعية لعمل المجتمع المدني في الأردن، منها أن قانون الجمعيات يمنح مجلس إدارة سجل الجمعيات صلاحية الموافقة أو الرفض على تسجيل الجمعيات، ويعطيه صلاحية اتخاذ قرارات دون تقديم مبررات، ما يعطل العديد من الجمعيات من الحصول على الاعتراف القانوني.
كما أظهر التقرير، الذي عرضته القضاة، أن قانون الجمعيات يمنح وزير التنمية الاجتماعية صلاحيات واسعة لحل الجمعيات أو إيقاف أنشطتها، مما يؤدي إلى تهديد استمرارية عمل الجمعيات ويقيد حريتها في ممارسة الأنشطة.
وبيّن التقرير أن العديد من منظمات المجتمع المدني خلال عام 2024 شهدت تراجعا في فرص حصولها تمويل نتيجة المواقف المزدوجة تجاه احترام حقوق الانسان والقانون الدولي في فلسطين للعديد من الدول المانحة والمؤسسات التابعة لها، خاصة الدول الغربية الكبيرة. ما أدى إلى تراجع قدرة منظمات المجتمع المدني على تلبية احتياجات المجتمع المحلي، واستدامة مشاريعها التنموية.
وأشار إلى أن العلاقة القائمة بين منظمات المجتمع المدني في الأردن والجهات المانحة تُظهر نقصاً واضحاً في التشاركية الحقيقية، حيث يقود التفاوت الكبير في الموارد إلى التبعية المالية للجهات الأجنبية الممولة، مما قد يتسبب في فقدان منظمات المجتمع المدني لاستقلاليتها وقدرتها على اتخاذ القرارات بشكل مستقل.
من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز أنه لا يجب عزل المجتمع المدني الأردني عن الواقع السياسي والاقتصادي والتشريعي، مشددة على ضرورة دعم استقلالية مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز قدراتها على المشاركة المدنية وإدارة مهامها بفاعلية تضمن استدامتها.
في حين قالت المديرة التنفيذية لمؤسسة رشيد للنزاهة والشفافية عبير مدانات إنه على الحكومة إعادة النظر بعلاقتها مع المجتمع المدني بحيث تنظر له كشريك رديف لها، وأن تعمل أيضا على تطوير سياسات لتعزيز الشراكة بين القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وفي الجلسة الثانية من ورشة العمل، عرض مدير مركز الفينيق أحمد عوض نتائج دراسة أعدها المركز حول تحليل العلاقة بين منظمات المجتمع المدني في الأردن والجهات المانحة، حيث أشارت النتائج إلى أن 57 بالمئة من منظمات المجتمع المدني في الأردن يرون أن المانحين يفرضون عليها متطلبات صارمة للامتثال المالي، في حين يرى 46 بالمئة منهم أن هناك تحديات تواجههم في تلبية متطلبات الشفافية للمانحين.
وأظهرت نتائج الدراسة أن 55.4 بالمئة من منظمات المجتمع المدني تتلقى تمويلا قائما على أساس المشاريع فقط، وهو ما يُقيّد عملها في إطار تلك المشاريع، و37.8 بالمئة منها تتلقى تمويلا قائما على أساس المشاريع وتحصل على القليل من التمويل المرن للتطوير التنظيمي، وهو ما يحتاج إلى تحسين، و6.8 بالمئة منها تتلقى مزيجا من التمويل القائم على أساس المشاريع والتمويل المرن للتطوير التنظيمي، وهذا يعتبر أجود أنواع التمويل.
كما أظهرت النتائج أن 17.9 بالمئة من الجهات المانحة تُحدد الأولويات واحتياجات المجتمع وأنشطة المشروع دون تدخل من منظمات المجتمع المدني، وهو ما يعتبر تقييدا لعملها، و28.5 بالمئة من الجهات المانحة هي التي تُحدد الأولويات والأنشطة مع تدخل محدود لمنظمات المجتمع المدني في تنفيذ تلك الأنشطة، و15 بالمئة من الجهات المانحة تُحدد الأولويات والأنشطة وتتشارك منظمات المجتمع المدني معها لتحديد التدخلات وتنفيذ الأنشطة، وأخيرا 38.6 بالمئة من الجهات المانحة تتعاون مع منظمات المجتمع المدني في تحديد الأولويات والاحتياجات والتدخلات وتصميم الأنشطة بشكل مشترك.
وأوصت الدراسة بضرورة أن تتماشى الجهات المانحة بشكل أفضل مع أولويات منظمات المجتمع المدني، وتوفير فرص تمويل أكثر مرونة، وألّا يقتصر التمويل على المشاريع فقط، وإنما يكون هناك تمويلا أساسيا، لتحسين قدرات منظمات المجتمع المدني وأنظمتها لتنفيذ المشاريع بفعالية.