المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
وسط ارتفاع معدل البطالة وقلة فرص العمل التي تخلو أحيانا من معايير العمل اللائق.. تلجأ العديد من النساء إلى العمل في القطاعات غير المنظمة في محاولة لتجاوز مشكلة البطالة والمساهمة في النمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن عمل النساء في القطاعات غير المنظمة يُسهم في النمو الاقتصادي، إلا أنه يُحرمهن من حقوقٍ عديدة، مثل الحمايات الاجتماعية إلى جانب تدني الأجور وعدم ثباتها، وغياب الاستقرار الوظيفي، ما يؤدي إلى تعرضهن للهشاشة الاجتماعية.
يؤكد خبراء، في حديثهم لـ"المرصد العمّالي الأردني"، أن عمل النساء في القطاعات غير المنظمة يعكس أزمة بالقطاع الرسمي، وأن أبرز القطاعات غير المنظمة التي تعمل بها النساء هي الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات وغالباً ما تخلو من الحمايات الاجتماعية.
ويشدد الخبراء على ضرورة تطوير سياسات تشجع العاملات للانتقال إلى العمل المنظم وتوفير الحمايات الاجتماعية اللازمة لهنّ، إضافة إلى برامج لتدريبهن وتأهيلهن وتحديد ساعات العمل، إلى جانب توفير بيئة عمل صديقة للمرأة.
يُسهمن بالاقتصاد وسط معاناة
بدوره، يقول الخبير في قضايا العمل والعمّال حمادة أبو نجمة لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن أبرز القطاعات التي تعمل بها النساء بشكل غير منظم هي قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات.
ويوضح أبو نجمة أن الزراعة التقليدية، وجمع المنتجات الطبيعية، وصناعة المنتجات الغذائية المنزلية، والصناعات الحرفية التقليدية، وصناعة الملابس، والأعمال اليدوية والتجارة المتجولة، وبيع المنتجات المنزلية، والتسويق عبر الإنترنت، والأعمال عن بعد عبر الإنترنت والخدمات المنزلية، ورعاية الأطفال، والعمل في المنازل، كلها أعمال غير منظمة.
ويشير إلى أن النساء العاملات يُسهمن في القطاعات غير المنظمة بشكل كبير في النمو الاقتصادي من خلال إنتاج السلع والخدمات، وتوفير الدخل لأسرهن، وبالتالي فإن العمل غير المنظم يُسهم بتخفيف البطالة بتوفير فرص عمل للنساء وبخاصة في المناطق الريفية..
إلا أن العمل في القطاعات غير المنظمة يفتقر إلى الاستقرار الاقتصادي، وفق أبو نجمة، حيث لا تخضع هذه الأعمال لأي قوانين عمل أو ضمانات اجتماعية، كما يؤدي انتشار العمل غير المنظم إلى منافسة غير عادلة مع القطاع المنظم، مما يؤثر سلباً على الشركات المسجلة ودافعي الضرائب.
ويلفت إلى أن النساء العاملات بالقطاعات غير المنظمة يعانين من "التمييز وعدم المساواة" في الأجور والفرص، ويتعرضن "للاستغلال" مثل العمل لساعات طويلة براتب منخفض، وعدم وجود حماية قانونية، ويواجهن صعوبة في الوصول للخدمات الصحيّة والاجتماعية، ومحدودية فرص تطوير المهارات والقدرات والحصول على عمل أفضل.
ويشدد أبو نجمة على ضرورة تطوير سياسات تشجع على انتقال العاملات في القطاعات غير المنظمة إلى القطاع المنظم، وتوفير الحماية القانونية لهن، وتوفير برامج تدريب وتأهيل النساء لتمكينهن من الحصول على عمل أفضل.
كما ويشدد على ضرورة توفير خدمات الرعاية النهارية للأطفال ليتمكنّ من الالتحاق بسوق العمل، وتسهيل الحصول على التمويل لبدء مشاريع صغيرة خاصة بهن، وتشجيع تكوين التعاونيات النسائية لتعزيز قدراتهن التفاوضية وحصولهن على خدمات أفضل.
عملهن يعكس أزمة بالقطاع الرسمي
في حين، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن العمل في القطاعات غير المنظمة يعكس الأزمة التي يعاني منها القطاع الرسمي، حيث لا يوفر فرص عمل كافية ولا سيما النساء، وهذه القطاعات لها دوراً مهماً في الاقتصاد الأردني وتوفر فرص عمل للكثير من الأسر، وتسهم في الحفاظ على الحراك الاقتصادي.
ويوضح أن معدل مشاركة المرأة الاقتصادية لا يُجاوز 15 بالمئة، ما يعني أن 85 بالمئة من الأردنيات لا يشاركن اقتصادياً في سوق العمل الرسمي، في حين أن معدل البطالة بين النساء يُجاوز 30 بالمئة وأن 80 بالمئة من المتعطلات عن العمل يحملن شهادات بكالوريوس، ما يؤكد الطابع الذكوري لسوق العمل الأردني.
ويرجع عايش أسباب لجوء النساء للعمل في القطاعات غير المنظمة إلى عدة عوامل، منها أن الاقتصاد المنظم غير داعم لعمل المرأة وهناك تحيز ضد المرأة في العمل الرسمي في الراتب والتقييم والترقية، وصعوبة الوصول لأماكن العمل بسبب رداءة النقل العام وانخفاض الدخل من المهن المتاحة للمرأة.
ويؤكد عايش، في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني"، على ضرورة تنظيم القطاعات غير المنظمة وإدراجها في الاقتصاد الرسمي، وتوفير الحماية القانونية للعاملات وتطبيق الحد الأدنى للأجور على جميع العاملات وتوفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
ويقترح تحديد ساعات العمل وتوفير برامج تدريب وتطوير للمرأة لتمكينها من الحصول على فرص عمل أفضل، وتحويل الأنشطة غير المنظمة إلى أنشطة منظمة من خلال توفير الأماكن المناسبة والمتهيئة لعمل النساء.
قطاعات خالية من التأمينات الاجتماعية
من جانبه، يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق الأسبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن معظم القطاعات الاقتصادية فيها عمالة غير منظمة.
ويوضح أن النساء العاملات في القطاعات غير المنظمة لا يحصلن على أي نوع من أنواع التأمينات الاجتماعية (التأمين الصحي، تأمين الشيخوخة، تأمين العجز، تأمين الإصابات، تأمين الأمومة، بدل التعطّل).
ويشير إلى أن عدم شمول العمالة غير المنظمة بالتأمينات يؤدي إلى خلل، وعند التوقف عن العمل أو التعرض لإصابة ينقطع الدخل، ما يؤدي إلى زيادة رقعة الفقر على المدى البعيد.
ويستحضر الصبيحي أن التقديرات تشير إلى أن عدد الأردنيين الذين يعملون بشكل غير منظم ما بين 900 ألف إلى مليون عاملا وعاملة، "في ظل ارتفاع البطالة تضطر النساء العمل بقطاعات غير منظمة".
ويشدد على ضرورة وجود تشريعات تضمن وضع أدوات لتحفيز شمول العمالة غير المنظمة في التأمينات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي وهو ما يعود بالفائدة على مؤسسة الضمان الاجتماعي من خلال الاستثمار باشتراك العدد الكبير للعمالة غير المنظمة.
ويقترح إيجاد خطة حكومية بالتعاون مع جميع المؤسسات المعنية لانتقال العمل من القطاعات غير المنظمة إلى القطاعات المنظمة، بالإضافة إلى تفعيل الخطة الاستراتيجية لمؤسسة الضمان الاجتماعي للأعوام (2024 - 2026).
توصيات ومطالب
وفق تقرير صادر عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، فإن معظم العمالة غير المنظمة في الأردن تتركز في قطاعات الزراعة والإنشاءات والنقل، والمعلمين والمعلمات على حساب التعليم الإضافي ومعلمات "محو الأمية" وموظفي نظام شراء الخدمات بالنسبة للقطاع العام.
التقرير البحثي الذي جاء بعنوان "العمالة غير المنظمة بالأردن.. حماية اجتماعية غائبة" يؤكد أن العديد من العاملين والعاملات غير المشمولين بالضمان الاجتماعي بقطاعات منظمة مثل المدارس الخاصة والسكرتارية وشركات الخدمات الصحية المساندة وشركات الأمن والحماية والمحلات التجارية المتوسطة والصغيرة وصالونات الحلاقة والتجميل، يعتبر شكلاً من أشكال التهرب التأميني من قبل أصحاب العمل في هذه القطاعات.
ويوصي التقرير بتطوير أدوات تأمينية جديدة لشمول العاملين لحسابهم الخاص أو العاملين بالأعمال اليومية والحرة وليس لديهم أصحاب عمل أو مؤسسات مسجلة، عن طريق تخفيض نسبة اشتراكات الضمان أو تخصيص صندوق خاص يتم تمويله من موازنة الدولة السنوية.
كما ويوصي التقرير، بتطوير نظم إنفاذ التشريعات العمّالية وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية وتخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي بما يحمي المنافع التأمينية، وشمول جميع العاملين بعقود شراء الخدمات بمظلة الضمان الاجتماعي وإجراء تعديلات شاملة على مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالتنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية، استنادا إلى معايير العمل اللائق الدولية.
فيما يُطالب "المرصد العمّالي الأردني" من خلال هذا التقرير بالعمل على تفعيل تنفيذ "الإطار الوطني للانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى المنظم" الذي صدر عام 2014م وصادقت عليه كل من وزارة العمل والاتحاد العام لنقابات عمّال الأردن وغرفة صناعة الأردن والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في عام 2015.
ويهدف هذا الإطار الوطني إلى تعزيز منهجية متكاملة لإضفاء الطابع الرسمي على القطاع غير المنظم بما يضمن خلق فرص عمل لائق، وتأمين ظروف معيشة كريمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين الإنتاجية، وزيادة النمو الاقتصادي.