الرئيسية > عمّال صهاريج النضح.. معاناة صامتة ومهنة خطرة وغير منظمة

عمّال صهاريج النضح.. معاناة صامتة ومهنة خطرة وغير منظمة

الاحد, 04 آب 2024
النشرة الالكترونية
Phenix Center
عمّال صهاريج النضح.. معاناة صامتة ومهنة خطرة وغير منظمة
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني 
في أعماق المجتمع، تختفي قصص العمّال خلف واجهات الحياة اليومية، وتبرز معاناة صامتة ومهمشة. عمّال صهاريج النضح، الذين يواجهون يومياً مخاطر جسيمة في سبيل تأمين لقمة عيشهم.

يعيش هؤلاء في ظروف عمل خطرة وغير منظمة، إذ أن رحلتهم اليومية ليست مجرد نقل مادة سائلة، بل هي رحلة شاقة في مواجهة التحديات والصعاب، بحثاً عن حياة كريمة.

يؤكد عمّال صهاريج نضح، في حديثهم لـ"المرصد العمّالي الأردني"، أنهم يواجهون مخاطر صحية جسيمة نتيجة التعرض لمواد كيميائية سامة وأبخرة ضارة، بالإضافة إلى خطر الحوادث والإصابات بسبب سوء حالة الطرق.

ورغم أهمية دورهم في المجتمع، إلا أنهم يعانون بسبب غياب الحمايات الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، مما يجعلهم يتحملون تكاليف العلاج بأنفسهم حال تعرّضوا لأي إصابة أثناء عملهم، إضافة إلى عملهم لساعات طويلة تمتد إلى ثماني ساعات، ما يهدد صحتهم وسلامتهم.

لذا، يطالب خبراء ونقابيون بتحسين ظروف هؤلاء العمّال من خلال توفير معدات السلامة اللازمة، وتحسين حالة الطرق، وشمولهم بقانون العمل وتوفير الحمايات الاجتماعية لهم.

معاناة يومية
في كل فجر، يبدأ عبد الحميد العزام وهو سائق صهريج في الأغوار الشمالية، يومه برحلة شاقة من الساعة السادسة صباحاً، يرتقي مركبته المتهالكة، متجهاً إلى عمله الذي وصفه بالشاق، ويعمل مثله مثل الكثير من عمّال الصهاريج في المنطقة، لساعات طويلة تمتد حتى السابعة مساءً.

يصف العزام معاناته اليومية لـ"المرصد العمالي الأردني" ويقول: "إن أجورنا غير ثابتة، فهي تعتمد على حالة الطرق التي نسلكها يومياً، والحصة الأكبر مما أجني تذهب إلى صيانة وترميم الصهريج، وكثير من الأحيان ألجأ إلى الدين والقروض حتى أتمكن من مواصلة العمل".

ولا تتوقف معاناة العزام عند هذا الحد، فعمله محفوف بالمخاطر، وكثيراً ما يتعرض هو وزملاؤه لإصابات أثناء عملهم، ويكشف أنه قبل فترة قصيرة سقطت الحفرة الامتصاصية به وبمن معه، ولا يدري كيف نجوا من الحادثة، وفي فصل الصيف يعانون أحيانا من لسعات الحشرات ولدغات الأفاعي.

ويؤكد أنه عندما يتعرضون إلى أي إصابة أو حادث عمل يتكبدون تكاليف العلاج على حسابهم الخاص، فليس لديهم تأمين صحي ولا ضمان اجتماعي.

ويطالب العزام بتحسين ظروف عملهم، وتحسين الطرق التي يسلكونها يومياً، وتأهيل الأماكن المخصصة لتفريغ الصهاريج، وزيادة الرقابة على المكبات، وعدم التعامل بمزاجية مع المخالفات التي تقيدها شركة مياه اليرموك داخل المكبات.

24 عاماً من المعاناة
في كل يوم، يستهل مصطفى بني رشيد، وهو صاحب صهريج ويعمل سائقاً لصالحه منذ 24 عاماً، رحلة شاقة تبدأ من الساعة السابعة صباحاً وتنتهي عند السابعة مساءً. 

رحلته هذه ليست كأي رحلة، فهي رحلة يومية على طريق مخصصة مليئة بالأتربة والحفريات والحصى ومتهالكة، وتخدم عشرات العاملين على الصهاريج والمزارعين في منطقة الجلدة بالشونة الشمالية.

يصف بني رشيد، في حديثه لـ"المرصد العمالي الأردني"، الطريق التي يسلكها يومياً بأنها كابوس حقيقي، ورغم أن طولها لا يُجاوز ثلاثة كيلومترات، إلا أنها كفيلة بإنهاكهم جسدياً ونفسياً. 

ويوضح أن الغبار الكثيف يلازمهم طوال الطريق، مما يسبب لهم أمراضا مزمنة في الجهاز التنفسي، كما أن الحفريات والحصى تجعل القيادة محفوفة بالمخاطر، وكثيراً ما يتعرضون لحوادث تؤدي إلى كسور بسبب تزحلق الصهاريج، وبخاصة خلال فصل الشتاء.

ويشير إلى أن معظم زملائه لا يملكون أي نوع من التأمين الصحي، وعندما يتعرضون لإصابات عمل يتحملون تكاليف العلاج بأنفسهم، "أنا محظوظ بعض الشيء لأنني أمتلك تأميناً صحياً وراتباً تقاعدياً من الجيش، لكن الكثيرين يعانون الأمرّين".

وعن الأجور، يقول بني رشيد إن الأجور متغيرة بحسب عدد النقلات ومكانها في اليوم الواحد، وهو يقوم عادة بأربع نقلات، بعضها قريب وبعضها بعيد، والنقلة القريبة أجرها 35 ديناراً، والبعيدة 50 ديناراً، "بعد خصم مصاريف الوقود وأجرة العامل الذي يساعدني، وصيانة الصهريج، لا يتبقى لي سوى 25 ديناراً في اليوم".

ويؤكد بني رشيد أن الطرق لا تؤثر فقط على سائقي الصهاريج، بل على أربعة ألوية في إربد، وعلى حوالي 30 صهريجاً يستخدمها بشكل يومي، فيما يطالب الجهات المعنية بصيانة الطريق، وهو مطلب أساسي لتحسين ظروف عملهم وحياتهم.

مهنة غير منظمة ولا اعتراف بالعمّال
بدوره يقول رئيس النقابة المستقلة لسائقي النقل العمومي محمد التعمري إلى "المرصد العمّالي الأردني" إن عدد الصهاريج الحاصلة على تراخيص في الأردن يصل إلى 3700 صهريجا، يعمل عليها ما يُقارب 4200 عاملا وسائقا، وتشمل صهاريج المياه ونقل الديزل والزيوت العادمة وصهاريج النضح.

ويوضح التعمري أن عدد صهاريج النضح يبلغ 373 صهريجا، ويُقارب عدد العاملين عليها 700 عاملا وسائقا، وجميعهم غير خاضعين لقانون العمل، ومهنتهم رغم خطورتها إلا أنها غير منظمة، لذا لا يحصلون على تأمين صحي ولا حتى ضمان اجتماعي.

ويلفت إلى أن النقابة تلقت عدد من شكاوى عمّال النضح وسائقي الصهاريج، وكانت الشكاوى مفادها أن ساعات العمل طويلة ويعملون لساعات إضافية تصل إلى ثماني ساعات بدون الحصول على أجر إضافي، إلا أنهم فيما بعد يتراجعون وينسحبون عن تقديم الشكاوى ولا يعرف أسباب ذلك.

ويطالب التعمري بخضوع جميع عمّال النضح وسائقي الصهاريج إلى قانون العمل الأردني، وإجبار جميع الأطراف على تطبيقه لضمان حقوق العمّال والسائقين بما فيها تمتعهم بالحمايات الاجتماعية.

ثلاث تصنيفات للمهنة.. كلها خطرة
من جانبه يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق الأسبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن مهنة الصهاريج لها ثلاثة تصنيفات وهي العاملون في محطات الصرف الصحي وسائقي الصهريج وعمّال النضح (قد يكون نفسه سائق صهريج) وكلها مهن خطرة.

ويوضح الصبيحي أن عامل النضح والذي قد يكون سائق الصهريج، هو من ينظف الحفر الامتصاصية ويقوم بتفريغ الصهاريج بمحلات التنقية والأماكن المخصصة للتفريغ، ويعمل في بيئة عمل مجهدة وضارّة بصحته وحياته ويتعرض لمخاطر متعددة.

ويشير إلى أنه يمكن التخفيف من الآثار الصحية على عمّال النضح، وبحكم تصنيف عملهم بالمهنة الخطرة، يستطيعون الخروج على التقاعد المبكر عند إكمالهم سن 45 عام مع مدة اشتراك لا تقل عن 18 سنة ومسجل في الضمان كعامل في المهن الخطرة.

ويلفت إلى أن على الجهات المعنية ممارسة الرقابة الدائمة على المشتغلين في المهنة بتصنيفاتها، وقبل مزاولة المهنة يجب تدريبهم وتأهيلهم وزيادة التوعية في مخاطر المهنة وسبل الوقاية من المخاطر.

وينصح الصبيحي العاملين التأكد من التسجيل في الضمان الاجتماعي كمهنة خطرة، وحال استدعت الضرورة الطبية إخراجهم من العمل أو تغيير مهنتهم إلى مهنة أخرى، بالإضافة إلى الالتزام بكافة أدوات الوقاية اللازمة بحسب طبيعة كل تصنيف لهذه المهنة.

مقترحات لسلامة العمّال
بدوره يقول مستشار ومدير السلامة والصحة المهنيّة في عدة شركات أسامة أبو نوّاس لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن أهم أدوات ومعدات الحماية الشخصية التي يجب توافرها هي: القفازات، والأحذية الواقية الطويلة والمقاومة أو المضادة للماء، وأقنعة الوجه والملابس الواقية، بالإضافة إلى صندوق الإسعافات الأولية وعلامات تحذيرية، وطفايات الحريق المناسبة وعواكس السلامة.

ويوضح أنه يجب إجراء مراقبة منتظمة لصحة العمّال من خلال الفحوصات الطبية الدورية والإجراءات الوقائية والسلوكية، وعقد برامج تدريبية توعوية وتثقيفية صحية للعمّال، بالإضافة إلى توفير الحوافز وبدل الخطورة ومراقبة الأداء وبرامج الصيانة الروتينية وحملات التوعية العامة.

ويدعو إلى عمل برامج بحثية لدعم المعرفة والتركيز على ذلك في مؤتمرات ومعارض وورش العمل الخاصة في السلامة والصحة المهنية، وخلق بيئة عمل آمنة ومناسبة من خلال عقد الندوات والاجتماعات الدورية ومناقشة ومواكبة التغييرات.

كما يدعو أبو نوّاس إلى وضع خطة للصحة والسلامة المهنيّة تتوافق مع السياسات والإجراءات والمتطلبات المحلية، وتخصيص موظفين محددين ليكونوا مسؤولين عن إدارة الصحة والسلامة المهنية في المواقع، وفحص واختبار منتظم لجميع ميزات السلامة وتدابير التحكم في المخاطر.

ويشدد على ضرورة خضوع جميع عمّال الصهاريج لفحوصات دورية من قبل طبيب مهني للكشف عن الأعراض المبكرة للتأثيرات أو الحساسية المزمنة المحتملة، وتوفير مطاعيم للعمّال وتوفير مناطق للعاملين للاستحمام وتغيير الملابس قبل مغادرة العمل لتقليل التعرض للمواد الضارة ونقلها.

ويطالب في إشراك أصحاب المصلحة في البرامج التوعوية والتثقيفية وتطوير نظام لتتبع الصهاريج ومتابعة القياسات البيئية لجودة الهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة والموارد المائية لنوعية المياه في المحطات، وغسل الجسم بالصابون والماء الصالح للشرب بعد التعرض للمياه العادمة، والالتزام بجميع تعليمات ومتطلبات السلامة والصحة المهنية قبل الدخول إلى الأماكن المحصورة.