المرصد العمالي الأردني - مراد كتكت
في الوقت الذي حجبت الحكومة 24 تطبيقا غير مرخص لنقل الركاب، تباينت آراء السائقين العاملين على تطبيقات النقل الذكي بين تأييد هذا الإجراء ورفضه.
إذ منهم من يرى أنها خطوة في الاتجاه الصحيح وأنها ستعمل على ضبط وتنظيم القطاع الذي أصبح فوضويا بشكل كبير، وأنها ستقضي على المنافسة التي رأوا أنها "غير عادلة" مع التطبيقات المرخصة.
فيما عارض آخرون هذا الإجراء، ورأوا أنه سيزيد الضغوط على السائقين الذين يعتمدون في عملهم على التطبيقات غير المرخصة، وسيؤدي إلى تعثرهم وإدخالهم في براثن الفقر.
لكن السؤال الأهم يكمن فيما إذا كان حجب التطبيقات غير المرخصة سيحد من التحديات التي يواجهها السائقون؟ وهل سيساعد على تنظيم القطاع وضمان استدامته وتوفير بيئة عمل لائق فيه؟
وكانت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة أعلنت الجمعة الماضي حجب 24 تطبيقاً ذكيا لنقل الركاب غير مرخصة في الأردن، نظراً لمنافستها غير العادلة للتطبيقات المرخصة ولآثارها الاجتماعية والأمنية الكبيرة على المستخدمين.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إنها حجبت التطبيقات من متاجر التطبيقات الإلكترونية بالتعاون مع الشركات العالمية (آبل، جوجل، هواوي).
آراء متباينة
يقول أحمد المصري، وهو سائق ويعمل على تطبيقات مرخصة، إن هذه الخطوة ستساهم في تنظيم القطاع، وستحقق العدالة بين سائقي التطبيقات.
ويرى المصري، في حديثه إلى "المرصد العمالي"، أنه لا توجد أي عدالة في هذا القطاع، موضحا بالقول: "نحن ندفع 400 دينار سنويا لهيئة تنظيم النقل البري مقابل التصريح، في حين لا يدفع من يعمل على التطبيقات غير المرخصة أي شيء، ما يعني أنها منافسة غير عادلة".
ويؤيد يزن الصبيحات، وهو سائق آخر، هذه الخطوة ويقول إنها بالاتجاه الصحيح، خصوصا وأن آلاف السائقين أصبحوا يلجأون إلى التطبيقات غير المرخصة للتهرب من رسوم التصريح السنوية، ما أحدث منافسة غير عادلة وظلما للسائقين على التطبيقات المرخصة.
في حين يرى وليد المومني، وهو سائق يعمل على تطبيقات غير مرخصة، أن هذا الإجراء "قطع أرزاق" لمئات السائقين العاملين على التطبيقات غير المرخصة، إذ أن معظمهم يعمل على مركبات بموديلات قديمة ولم يسددوا أقساطها لدى البنوك حتى الآن.
ويبين المومني أن موديل مركبته 2015 ولا يستطيع العمل عليها في التطبيقات المرخصة التي تتطلب موديل 2017 فما أعلى، وكان يعتمد على التطبيقات غير المرخصة. ويشير إلى أنه بعد حجب التطبيقات غير المرخصة سيصبح غير قادر على سداد أقساط مركبته وسيتعطل عن العمل.
هل الحجب يكفي؟
وفي الوقت الذي يؤيد رئيس اللجنة التطوعية لكباتن التطبيقات الذكية لورنس الرفاعي هذه الخطوة ويقول إنها في الاتجاه الصحيح، إلا أنه يلفت إلى أنها جاءت متأخرة، إذ إن مئات السائقين تورّطوا بشراء مركبات عن طريق القروض للعمل على تطبيقات النقل غير المرخصة.
ويبين الرفاعي، في حديثه إلى "المرصد العمالي"، أن معظم التطبيقات التي حجبتها الحكومة متعثرة ماليا ولا تعمل على الأرض، وإنما 4 تطبيقات تعمل منها فقط بشكل منافس، وهي: (تاكسي أف وكوين كار وزين كار وتكرم).
ويرى أن حجب التطبيقات غير المرخصة غير كافٍ ولن يحل المشكلة كلها التي يعاني منها قطاع النقل الذكي، إذ أن حجبها قصُر فقط على المتاجر الموجودة على شركات (آبل، جوجل، هواوي)، ما يعني أنه لا يستطيع أي شخص حاليا تحميل تلك التطبيقات، لأنها أصبحت غير موجودة على متاجر هواتف تلك الشركات، في حين أن من قام بتحميل تلك التطبيقات مسبقا فسيظل يعمل عليها.
ويوضح الرفاعي أن تطبيق "تاكسي أف" لوحده يضم نحو 6000 سائق، وهؤلاء لن يتضرروا من الحجب، لأن التطبيق مُحمّل على هواتفهم مسبقا، وبالتالي يستطيعون الاستمرار في العمل عليه إلى أن تُجري الشركة تحديثات على تطبيقها، أو يقوم السائقون بتغيير هواتفهم أو بإعادة ضبط المصنع لها.
ويقول الرفاعي إنه كان على الحكومة معالجة الأسباب التي أدت وما تزال تؤدي إلى لجوء السائقين إلى العمل على التطبيقات غير المرخصة، وليس الاكتفاء بحجبها.
ويوضح أن الأسباب تتمثل في عدم زيادة عدد تصاريح العمل الممنوحة لشركات التطبيقات المرخصة والمحددة بـ13 ألف تصريحا، ويرى أن هذا العدد قليل وبخاصة في ظل معدلات البطالة العالية التي يعاني منها الشباب في الأردن.
لذلك، كان الأفضل للحكومة، والحديث للرفاعي، ترخيص المزيد من التطبيقات بدلا من حجبها، وزيادة أعداد تصاريح العمل، لتشغيل المزيد من الشباب بشكل نظامي ومنظم وغير مخالف للقانون، وتوفير المزيد من الخيارات أمامهم.
ويرى الرفاعي أن السبب وراء التعنّت في عدم ترخيص المزيد من التطبيقات هو "أن شركات التطبيقات المرخصة الحالية يملكها متنفذون يريدون احتكار هذا القطاع لهم فقط".
كما تتمثل الأسباب، وفق الرفاعي، في أن مركبات السائقين المسجلة لدى شركات التطبيقات المرخصة تكون مسجلة لدى محلات فحص المركبات، ويوضح أن المركبات العاملة على تطبيقات النقل تخسر من قيمتها ما لا يقل عن خمسة آلاف دينار عند بيعها بعد فحصها، بخلاف التطبيقات غير المرخصة التي لا تُسجل المركبات العاملة عبرها لدى محلات الفحص، وبالتالي يمكن للسائق بيع مركبته بدون فحصها وبدون خسارة في قيمتها.
ويبين الرفاعي أن العمولة التي تقتطعها التطبيقات غير المرخصة من رحلات السائقين منخفضة مقارنة مع التطبيقات المُرخصة، إذ تُراوح بين 10 إلى 20 بالمئة، في حين تصل في التطبيقات المرخصة إلى نحو 30 بالمئة وأحيانا أكثر من ذلك، وهذا يُعتبر أحد الأسباب التي جعلت معظم السائقين يتوجهون إلى العمل على التطبيقات غير المرخصة في محاولة لتجنب بعض الأعباء المالية.
كما أن العمل على التطبيقات غير المُرخصة، وفق الرفاعي، لا يتطلب دفع 400 دينار سنويا لهيئة تنظيم النقل البري مقابل التصريح، ولا يدفعون فيها ضريبة "المبيعات" التي يدفعها نظراؤهم في التطبيقات المرخصة.
كما لا يوجد فيها نظام الدفع المُسبق عبر البطاقة الائتمانية "الفيزا" الذي يُعتبر مشكلة لدى السائقين في التطبيقات المرخصة، لأن المبلغ المستحق عبر "الفيزا" لا يحول مباشرة للحساب البنكي الخاص بالسائق، وإنما بعد أيام قد تُجاوز الأسبوع أحيانا.
ويشير الرفاعي كذلك إلى غياب الرقابة على ممارسات شركات التطبيقات المرخصة، إذ أن بعضها يقوم بتشغيل مئات السائقين بدون تصريح من الهيئة وبمواصفات مخالفة للقانون مثل مركبات بموديلات قديمة.
ويطالب الرفاعي الحكومة بمعالجة جميع الأسباب التي تدفع السائقين إلى العمل على التطبيقات غير المرخصة، وتنظيم القطاع، إضافة إلى ترخيص المزيد من التطبيقات لتشغيل المزيد من الشباب وإتاحة المزيد من الخيارات أمامهم.
ما المطلوب؟
إن حجب التطبيقات غير المرخصة وحده لا يكفي لتنظيم القطاع وتحقيق العدالة بين السائقين وتوفير ظروف عمل لائق لهم، إذ إن المشكلة لا تكمن في المنافسة غير العادلة بين الطرفين، وإنما في عدم تنظيم هذا القطاع من حيث عدم شمول العاملين فيه بالحمايات الاجتماعية وقلة التشريعات الناظمة له وضعف تطبيقها.
فقانون العمل الأردني لا يعترف بحقوق العاملين في تطبيقات النقل الذكية كما للعاملين التقليديين، ما يعرقل تنظيم القطاع ويؤثر سلبا على معايير العمل وحقوق السائقين فيه، ويحرمهم من الحق في التنظيم النقابي الذي يؤدي بدوره إلى اختلال في توازن القوى لصالح الشركات مالكة التطبيقات.
والمطلوب حاليا تنظيم القطاع والمحافظة عليه والعمل على استدامته، لما له من دور فعّال في تشغيل آلاف الشباب والتخفيف من معدلات البطالة التي وصلت لمستويات عالية، من خلال توفير بيئة عمل لائقة لجميع السائقين في التطبيقات الذكية.