المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
رغم أن مهنة العمل في مكبات النفايات تصنف من المهن الخطرة وفق المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2021، إلا أن أماكن عملهم تخلو من أدنى معايير وأدوات السلامة والصحة المهنية اللازمة لحمايتهم من الأخطار والإصابات.
فبيئة العمل ضارّة على صحة العامل نتيجة التعرض للمواد الكيماوية السامة وما ينتج من عمليات حرق النفايات، والعمل بحركات متكررة ومستمرة وبذل الجهد بسبب مشقة العمل، إلى جانب العمل تحت درجات حرارة مرتفعة والتعرض للضجيج والرطوبة والروائح الكريهة والأوساخ.
يؤكد عاملون في مكبات النفايات في أحاديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني" أن أدوات السلامة والصحة المهنية اللازمة لحمايتهم غير متوافرة، ويُرغمون على إيجاد بدائل لحماية أنفسهم من التعرض لإصابات أثناء العمل وأمراض مهنيّة.
ويؤكد خبراء أن العاملين يواجهون عدداً كبيراً من المخاطر في جميع مراحل العمل (نقل النفايات وفرزها وكبسها وحرقها) وبيئة العمل ضارّة تعرضهم لإصابات بالغة وأمراض مهنيّة، فيما سمح لهم الضمان الاجتماعي بالتقاعد مبكراً وفق شروط معينة.
ويشددون على ضرورة توفير الأدوات والمعدات اللازمة كماً ونوعاً وتوفير بنية تحتية مناسبة للعمل بأمان والالتزام بمصفوفة المخاطر المهنيّة وإدارة المخاطر بشكل عام، ورفع مستوى الكفاءة والتدريب والوعي بالسلامة المهنيّة لدى العاملين.
ويقترحون نقل العاملين بعد عشرة إلى خمسة عشر عاماً إلى أماكن أقل خطورة، ووضع خطط وأنظمة لإدارة النفايات بطريقة آمنة تضمن حماية العاملين أولاً والبيئة المحيطة ثانياً.
يستنشق السموم.. ويوم العمل بيومين
يعمل "علاء" منذ 18 عام في إحدى المحطات التحويلية "مُشغِّل مكبس"، يؤكد في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" أن أدوات السلامة والصحة المهنية غير متوافرة له ولزملائه الآخرين في المكان الذي يعمل به.
وهو يعمل يوماً بعد يوم ويبدأ عمله الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءاً، "عملي في اليوم يعادل العمل عن يومين، فالضغوط التي أواجهها والقلق والتوتر عالٍ بسبب خطورة العمل".
ويوضح أنه حال تعرض لأي إصابة يتعالج على حسابه الخاص، وتعرض العام الماضي لإصابة في قدمه وتكبد مصاريف العلاج على نفقته ولم يحصل على أي تعويض، وهو منذ سنوات لا تفارقه الكحة طوال اليوم بسبب الروائح الكريهة والسموم التي يستنشقها من عمله.
ويلفت إلى أن مكان عمله غير آمن ولا مهيأ للعمل وبخاصة أيام الشتاء؛ "هناك كابلات كهرباء أسفل الغرفة التي أعمل بها في الشتاء تغرق بالمياه وهذا يضاعف من الخطر الذي قد أتعرض له في أي وقت".
يغطي وجهه بالشماغ
أما "حمزة"، قبل أن يتقاعد مبكراً، فكان يعمل في تفريغ النفايات في آلة الكابسة، واستمر عمله 19 عاماً. ويقول لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن عمله كان يخلو من أدوات السلامة والصحة المهنيّة، ويقتصر الأمر على القفازات "الطبية" التي "لا تنفع مع النفايات".
ويوضح أن أدوات السلامة مثل قفازات الأمان والبدلة والحذاء الآمن كانت الإدارة تصرفها مرة في السنة وتطلب الحفاظ عليها، "لا يمكن المحافظة على الأدوات عاماً كاملاً بسبب رداءة مصنوعيتها وبخاصة البدلة التي كانت لا تقيني من شيء ولا حتى خلال العمل تحت المطر بفصل الشتاء".
ويشير إلى أنه تعرض منذ سنوات وزميله خلال تنظيف الآلة التي يعملان عليها، إلى حالة تسمم شديدة واختناق بسبب استنشاقهما غاز الميثان، "المفروض أن يصرف للعاملين عبوة حليب لمنع التسمم وحديثا أصبحوا يصرفونها".
ويلفت إلى أنه كان يخصص ملابس على نفقته الخاصة ليرتديها أوقات العمل ويغطي وجهه بالشماغ لعدم توافر الكمامة، "المكان الذي كنت أعمل به لا أحد يمكن أن يتحمل رائحته".
ويطالب حمزة بتوفير أدوات السلامة والصحة المهنيّة بشكل دائم، واتباع تعليمات معينة لحماية العاملين أثناء تواجدهم في جميع مكبات النفايات والمحطات التحويلية.
إصابات تتضاعف بغياب السلامة
يقول مستشار ومدير السلامة والصحة المهنيّة في عدة شركات أسامة أبونوّاس في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" إن عملية إدارة النفايات تحتاج خططاً وأنظمة متكاملة تضمن حماية العاملين أولاً والبيئة المحيطة بها ثانياً.
ويوضح أبونوّاس أن العاملين يشكلون القوى العاملة والرئيسية في مهمة التخلص من النفايات بطريقة أو بأخرى، ويواجهون عدداً كبيراً من المخاطر في جميع مراحل العمل (نقل النفايات وفرزها وكبسها وحرقها).
ويشير إلى احتمالية تعرضهم لحوادث سقوط من المركبات (الضاغطة) عند عبور الطرقات والعمل داخل مكبات النفايات، وإصابات عند التعامل مع النفايات والآليات، إلى جانب الإرهاق والجهد والقلق المستمر من مخاطر الطقس والحريق والتعامل مع المبيدات، ناهيك عن الأمراض المهنيّة التي قد يصابون بها.
ويكشف أن بعض المكبات تكون مخصصة للنفايات الخطرة وتخلو بصفة عامة من أي أدوات وشروط السلامة والصحة المهنيّة للعاملين، ولا يوجد ضوابط لإغلاق النفايات الخطرة ونقلها إلى المكبات؛ ما يزيد من المخاطر على العاملين واحتمالية تعرضهم لإصابات بالغة وأمراض مهنيّة.
ويشدد على ضرورة توفير أدوات السلامة والمعدات اللازمة كماً ونوعاً وتوفير بنية تحتية مناسبة للعمل بأمان، والالتزام بمصفوفة المخاطر المهنيّة وإدارة المخاطر، ورفع مستوى الكفاءة والتدريب والوعي بالسلامة المهنيّة لدى العاملين.
ويقترح أبونواس توفير كادر بشري مؤهل لوضع الخطط التشغيلية والتنظيم وتنفيذ العمل وتوزيع المهام والصلاحيات، وتدريب العاملين ونشر ثقافة السلامة بينهم وهو ما يقلل نسبة الأخطار في العمل ويزيد الاستقرار والاهتمام بسلامة العمّال، إلى جانب إجراء دراسات علمية نوعية وتطبيق القوانين والأنظمة والتشريعات.
التقاعد المبكر بحالة واحدة
من جانبه يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن العاملين في مكبات النفايات يُنظَر إليهم كعاملين في مهن خطرة، وذلك يشمل عامل مكب النفايات وعامل محرقة النفايات والعاملين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع النفايات.
ويشير الصبيحي إلى أن المعايير التي اعتبرت على أساسها بأنها من المهن الخطرة، أن العاملين يعملون في بيئة صعبة وفيها ضرر على صحتهم لتعرضهم إلى مواد كيماوية سامة ومواد بيولوجية ناتجة عن عمليات كب النفايات وحرقها، والعمل يكون بحركات رتيبة ومتكررة وتحت درجات حرارة مرتفعة تحتاج إلى بذل جهد وفيها مشقة شديدة واستمرار مزاولة المهنة يؤثر على الصحة.
ويوضح أن الضمان الاجتماعي أتاح لمن يعمل بهذه المهنة أن يتقاعد مبكراً عند إكمال سن 45 شريطة أن يكون عمل 18 عاماً في المهنة ومشتركاً في الضمان بالنسبة للذكور و15 عاماً بالنسبة للإناث بعد إكمال سن 45، وأن يكونوا قد عملوا في آخر عشر سنوات مدة 60 اشتراك ضمان.
ويلفت إلى أن العاملين لا يحصلون على أي ميّزة من التقاعد المبكر، وهو لا يشجعهم على التقاعد مبكراً إلا في حال شعر العامل بأن صحته بدأت تتأثر سلباً بشكل واضح نتيجة مزاولة المهنة.
ويقترح أن تعمل الجهات المشغلة (البلديات وأمانة عمان وغيرها) على استبدال العاملين في هذه المهنة بعد فترة 10 إلى 15 عاماً، وأن يُنقلوا إلى مهنة أقل خطورة للحفاظ على بقائهم في سوق العمل، وتمكينهم من الحصول على راتب تقاعد جيّد يوفر لهم الحماية وأسرهم مستقبلاً إلى جانب الحفاظ على حياتهم وسلامتهم وصحتهم.
التمثيل النقابي موقوف بقرار
على اعتبار أن العاملين في مكبات النفايات عمّال وطن فهم يتبعون لكل من النقابة المستقلة للعاملين في أمانة عمان واتحاد النقابات المستقلة للعاملين في بلديات الأردن، ويقع ضمن مسؤولية كل منهما الدفاع عن حقوق ومصالح هذه الفئة العمّالية والمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية والوظيفية.
لكن النقابة المستقلة للعاملين في أمانة عمان الكبرى موقوفة بقرار سابق من إدارة الاتحاد العام لنقابات عمّال الأردن، وبتوجيه من أمانة عمان الكبرى يمنع ممارسة الدور النقابي لإدارتها وأعضائها وفق ما أفاد مصدر في النقابة.
فيما حاول "المرصد العمّالي الأردني" مراراً الاتصال باتحاد النقابات المستقلة للعاملين في بلديات الأردن إلا أنه لم يتلق أي رد.