المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
بعد أعوامٍ من الانتظار يصدر قرار تعيين العاملين في القطاع العام (الحكومي)، ومن هنا تبدأ معاناة جديدة لمن عملوا في القطاع الخاص سنوات قد تطول إلى عشرات السنين.
إذ أنّ نظام الخدمة المدنية لا يحتسب لهؤلاء العاملين سوى خمس سنوات فقط من العمل في القطاع الخاص وإن تجاوزت سنوات الخبرة سنواتٍ عديدة أكثر؛ ما يؤثر سلباً بشكل مباشر على الحقوق العمّالية والوظيفية لعدد كبير من العاملين.
الخلل في نظام الخدمة يؤثر على مقدار الرواتب في بداية التعيين وعند التقاعد، إلى جانب تأثيره على الرُتب والعلاوات والزيادات السنوية التي تشترط سنوات خبرة محددة لنيلها، وبناءً على ما سبق يحصلون على رواتب أعلى.
وفي تصريح سابق للناطق باسم ديوان الخدمة المدنية خالد غرايبة يقول إن نظام الخدمة يحتسب خمس سنوات فقط من الخبرة مهما طال عدد سنوات خبرته، وإن هذا النظام ينطبق على جميع العاملين في القطاع الخاص داخل وخارج المملكة، وقطاعات العمل الخاص كافة.
ويشير في تصريحه إلى "المرصد العمّالي الأردني" إلى أنه عند التعيين في القطاع الحكومي، يأخذ النظام بالاعتبار أن يكون العاملون من مشتركي الضمان الاجتماعي، وشهادة خبرة لمن يعمل داخل المملكة مصدقة من وزارة العمل، ولمن يعمل خارج المملكة مصدقة من وزارة الخارجية.
ويرى الغرايبة بأنّ ليس جميع العاملين في القطاع الخاص يمتلكون الخبرة الكافية التي تؤهلهم للانتقال إلى العمل في القطاع العام؛ "سنوات الخبرة في القطاع الحكومي تُحتسب كاملة، والقطاع الخاص شريك ويُسهم في تقليل أعداد البطالة".
ووفق أحاديث عاملين بالقطاع الخاص ممن انتقلوا إلى العمل بالقطاع العام إلى "المرصد العمّالي الأردني"، فإن الخلل يُعرّضهم إلى ظلم وضرر ويأكل من رواتبهم وهو ما يؤثر على رواتبهم التقاعدية مستقبلاً، ويحرمهم من الزيادات السنوية ويُقلل رُتبهم في السلم الوظيفي.
فيما يؤكد خبراء وبرلمانيون ونقابيون أن هذا الخلل في نظام الخدمة المدنية يحرم هؤلاء العاملين من حقوقهم العمّالية والوظيفية المتضمَّنة في نظام الخدمة المدنية ذاته، ويطالبون بتعديل النظام بما يضمن للعاملين حقوقهم العمّالية والوظيفية بدون انتقاص.
عشرة أعوام خبرة بالغربة ذهبت هباء
بعد أن تخرج "محمد" وحصل على درجة البكالوريوس في التمريض من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وتقدم بطلب توظيف في ديوان الخدمة المدنية، وعمل في مستشفى خاص في العاصمة عمان لمدة عامين وبعدها انتقل للعمل في مستشفى خاص بإحدى دول الخليج وبقي يعمل هناك 13 عاماً.
قبل خمسة أعوام صدر قرار تعيينه في وزارة الصحة. حينها لم يكن يدرك أنه سيفقد الكثير من حقوقه الوظيفية بسبب عدم احتساب عشرة أعوام من سنوات خبرته البالغة 15 عاماً بما تحويها من زيادة على الراتب والزيادات السنوية والعلاوات والرُتبة الوظيفية..
يقول محمد لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن راتبه انخفض إلى النصف بعد أن انتقل إلى العمل بالقطاع الحكومي، "كنت أحصّل 1700 دينارا راتبا شهريا بينما في القطاع العام ومع احتساب سنوات الخبرة الخمس فقط أصبح راتبي لا يتعدى 850 دينارا، عشر سنوات خبرة وما يتبعها ذهبت هباءا منثورا".
ويوضح أن ما أجبره على ترك القطاع الخاص للعمل في القطاع العام هو "الاستقرار الوظيفي" الذي يوفره الأخير، إلى جانب إنهاء غربته عن أسرته طوال 13 عاماً؛ "سافرت بعيداً عن أسرتي وفي النهاية لا يحتسب لي سوى خمس سنوات خبرة، هذا الأمر يُشعرني بالقهر بشكل دائم".
خمسة أعوام خبرة مُهدرة
عملت معلمة الرياضيات "ميادة" في مدرسة خاصة في العاصمة عمان، على مدار عشر أعوام، ومنذ ثلاثة أعوام وبعد صدور قرار تعيينها، انتقلت للعمل في مدرسة حكومية في العقبة.
عندما انتقلت ميادة إلى التدريس الحكومي انخفض راتبها من 550 دينارا إلى 360 دينارا، ولم يحتسب من العشرة أعوام خبرة، سوى خمسة؛ "عدم احتساب سنوات الخبرة كاملة، تسبب في تقليل رُتبتي بحسب نظام الرُتب بوزارة التربية والتعليم".
تقول ميادة لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن فرق الراتب الذي انخفض أثّر سلبا على ظروفها المعيشية، "خسرت من الراتب 190 دينارا ووضعي المعيشي لا يسمح بأي انخفاض بالراتب "لديّ أطفال يحتاجون إلى مصاريف لا أستطيع تغطيتها بعض الأشهر".
وتبين أن ما دفعها للانتقال من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية هو أن الأخيرة مضمونة وفيها أمان وظيفي رغم انتقاص الحقوق، "المعلم في القطاع الخاص عمله غير مستقر ومهدد بشكل دائم".
كما أن وزارة التربية لم تعترف بالدورات التدريبية التي التحقت بها خلال العشرة أعوام في المدارس الخاصة، وخضعت لدورة المعلمين الجدد رغم أنها ليست بحاجتها وفق قولها.
الخلل يؤثر على المنافع التأمينية
خبير التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي يقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن عدم احتساب سنوات الخبرة كاملة، يؤثر على سلم الرواتب، وبالتالي يؤثر على المنافع التأمينية التي يمكن أن يستفيد منها المؤمَّن عليه، "كلما زادت سنوات الخبرة زاد الراتب، وبالتالي المنافع التأمينية تكون أكبر".
ويوضح الصبيحي أن عدم احتساب سنوات الخبرة كاملة، يؤثر سلباً على الراتب عند التعيين ويُقلل منه بشكل كبير، وهو يؤثر بشكل مباشر على الراتب التقاعدي كذلك، "على وجه الخصوص الأشخاص الذين يُعيّنون بعد سن الأربعين، يلحقهم ظلم كبير، هؤلاء الأشخاص قاربوا على التقاعد، ويخسرون جزءا كبيرا من رواتبهم".
وينتقد الصبيحي نظام الخدمة المدنية، الذي يقول إنه يُلحق الظلم بعدد كبير من العاملين، "في هذه الحالة أرى أن البقاء في العمل بالقطاع الخاص أفضل، رغم إشكالية عدم الاستقرار والأمان الوظيفي".
ويلفت الصبيحي إلى أن الخبرة في القطاع الخاص "أعمق وأفضل من القطاع العام"؛ لذلك يجب أن تُحتسب الخبرة كاملة، ليس فقط للحقوق التقاعدية والتأمينات في المستقبل، وبخاصة إذا كانت خبرات العمل بنفس مجالات التخصص.
ويرى الصبيحي أنه إذا كان مجال العمل في القطاع العام مختلفاً عنه في القطاع الخاص يمكن اعتبار ذلك مسألة أخرى ومن الممكن تجاوز سنوات الخبرة بحكم اختلاف العمل والخبرات.
اتحاد النقابات: يجب مناقشة نظام الخدمة ووضع معايير
في حين تقول عضوة المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات عمّال الأردن بشرى السلمان لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن هنالك ضرراً كبيراً على العاملين بسبب نظام الخدمة المدنية، وأكثر المتضررين يعملون في قطاعي الصحة والتعليم؛ نظراً لأنهم الأكثر في التعيينات مقارنة بالقطاعات الأخرى.
وتوضح أن عدم احتساب جميع سنوات الخبرة للعاملين في القطاع الخاص والاكتفاء بخمس سنوات فقط يُلحق الضرر بالعاملين ويؤثر سلباً على حقوقهم، وهو ما يُعتبر شكلاً من أشكال التمييز في بيئة العمل.
وتبيّن السلمان بأن القطاع الخاص هو "شريك مستدام ومشغل رئيسي للعمالة" وفرص العمل التي يخلقها هي فرص حقيقية، ما يستوجب التعامل معه بعدالة وإنصاف وبما يعكس خبرة العامل الحقيقية والمهنة التي عمل فيها طوال سنوات.
وتؤكد أن الخلل بنظام الخدمة يحرم العمّال من الاستفادة من المزايا والمنافع المضمونة المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية؛ مثل سلم الرواتب والسلم الوظيفي والدرجات التي يتضمنها والزيادات السنوية المرتبطة بالسلم الوظيفي التي لها ارتباط مباشر بعدد سنوات الخبرة.
وتشير إلى أن الخلل يُلحق ضرراً من ناحية الترفيعات الوجوبية والجوازية وغيرها من الامتيازات التي نص عليها نظام الخدمة المدنية، التي لا يتمتع فيها العامل، "كلما زادت سنوات خبرته في نظام الخدمة المدنية استفاد من المزايا والمنافع المتضمنة في نظام الخدمة المدنية".
وتطالب السلمان بتعديل نظام الخدمة المدنية بما يحفظ حقوق العاملين في القطاع الخاص عندما ينتقلون إلى العمل في القطاع العام، ومناقشة نظام الخدمة المدنية مع الجهات المعنية مثل لجنة العمل بمجلس النواب وبالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية (الذي أصبح يسمى الآن هيئة الإدارة العامة).
وتشدد على ضرورة وجود ضوابط ومعايير تراعي وتعالج مثل هذه المسألة وتداعياتها على العمّال وبيئة العمل، ما يتطلب، بتقديرها، نقاشا مستفيضا تتشارك فيه النقابات العمّالية ذات الاختصاص التي تمثل العاملين في قطاعات مختلفة.
هل ستناقش العمل النيابية المسألة؟
بدوره، يصرح نائب الرئيس في لجنة العمل النيابية النائب حسن الرياطي في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" بأن المسألة تمثل "إجحافا وظلما" بحق أي عامل أردني ينتقل من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي، وإهمال سنوات خبرته يُلحق الضرر بعلاواته وراتبه.
ويلفت إلى أنه لم تُعرض هذه المسألة على اللجنة حتى هذه اللحظة ولم يسبق طرحها والحديث عنها من خلال لجنة العمل المعنية بمناقشتها، ويؤكد أنه سيتم عمل مذكرة ومناقشتها في أقرب وقت قبل أن يُحل المجلس.