المرصد العمّالي الأردني – رزان المومني
أطلقت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي مطلع الأسبوع استراتيجية السلامة والصحة المهنية للوقاية والحد من حوادث وإصابات العمل للأعوام (2023-2027) التي أعدتها بالتعاون مع الشركاء كافة.
وتمحورت الاستراتيجية حول أربعة أهداف، تمثلت في تطوير ثقافة السلامة والصحة المهنية الإيجابية وتوفير بيئة عمل آمنة في منشآت المملكة وتنمية قدرات ومهارات ومعارف الكوادر العاملة في إصابات العمل والسلامة والصحة المهنية من داخل المؤسسة وخارجها، وتطوير البنية التحتية والتقنية الخاصة بالسلامة والصحة المهنية على المستوى الوطني، وتطوير وإدامة العلاقة مع الشركاء الداخليين والخارجيين في المجال.
ووفق المؤسسة، طوّرت الاستراتيجية عدة مبادرات قابلة للتطبيق والقياس وفق مستهدفات واضحة؛ إذ ستعمل على تنفيذ مبادرات رئيسة لتحسين أداء السلامة والصحة المهنية في منشآت المملكة، ورفع قدرات العاملين في المجال، تقديم المشورة حول تطبيق أفضل المُمارسات لتدابير السلامة في مكان العمل، والتقليل ما أمكن من تعرض العاملين للمخاطر والإصابات.
وقالت المؤسسة إنها ستعمل وعلى مدار السنوات الخمس المقبلة لتنفيذ الاستراتيجية وفق نهج تشاركي مع الأطراف ذات العلاقة، وستعمل على تعزيزه لضمان سلامة التنفيذ. كما ستجري عملية مراجعة دورية لنسب إنجاز المبادرات وآليات التنفيذ. وطورت حزمة من مؤشرات الأداء لمراقبة تحقيق أهداف الاستراتيجية.
وتتمثل رؤية الاستراتيجية بالريادة والاستدامة في الوقاية من حوادث وإصابات العمل وتعزيز السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالشراكة مع الجهات المعنية، أما رسالتها فتؤكد على تعزيز تدابير السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل للحد من حوادث العمل وإصاباته، مما يسهم في تحقيق الأمن الاجتماعي وتحسين الأداء الاقتصادي للمنشآت، وتحسين القدرة التنافسية فيما بينها، بما يتماشى مع المعايير الدولية.
يقول خبراء في مجال الصحة والسلامة المهنية إن تطبيق الاستراتيجية يصب في مصلحة الجميع؛ أكانت مؤسسة الضمان ووزارة العمل من جهة، أو أصحاب العمل والعاملين من جهة أخرى. ويطالبون بتعميم الاستراتيجية على جميع المنشآت في القطاعين العام والخاص ومتابعة تطبيقها.
وفي أحاديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني"، يرى الخبراء أن الاستراتيجية تحتاج التركيز على القطاعات التي تكثر فيها إصابات العمل، وأن تضمن توعية لأصحاب العمل لأهمية دورهم في معرفة الاستراتيجية ووجود من يمثلهم، وأن دعم الأفراد للقيام بالأبحاث والدراسات في مجال السلامة والصحة المهنية يسهم في نجاح الاستراتيجية.
ويشددون على ضرورة أن يتبع الاستراتيجية أمور وإجراءات أخرى منها إعادة تفعيل معهد السلامة والصحة المهنية الذي يتبع لوزارة العمل، واستحداث تدريبات في المعاهد التابعة لمؤسسة التدريب المهني وتوعية المستفيدين بأخطار كل مهنة وبخاصة الخطرة منها وطرق الوقاية من تلك الأخطار.
مصلحة مشتركة
يقول أخصائي الصحة والسلامة المهنية محمد القضاة إن تطبيق الاستراتيجية يصب في مصلحة الجميع أكانت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ووزارة العمل من جهة، وأصحاب العمل والعاملين من جهة أخرى.
القضاة، الذي يعمل في محطات توليد كهرباء شرق عمان، يشير إلى أن الاستراتيجية تعمل كإجراء احترازي يحد من وقوع الحوادث إصابات العمل وتطبيقها يخلق بيئة عمل آمنة وترفع من مستوى الإنتاجية لدى العاملين، ناهيك عن انخفاض كلف إصابات العمل والعلاجات منها والتأمينات أيضا.
ويوصي بتوضيح الاستراتيجية لأصحاب العمل والتعريف بها وبأهمية تطبيقها في المنشآت، من خلال عقد جلسات توعوية بشكل مستمر.
التركيز على القطاعات الأكثر إصابات عمل
بدوره، يقول خبير التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي إن الاستراتيجية تحتاج إلى التركيز على القطاعات التي تكثر فيها إصابات العمل مثل الانشاءات والمهن الميكانيكية والقطاع الزراعي، بالإضافة إلى تقسيم القطاعات وفقا لمعدلات إصابات العمل والأكثر تبليغا عن الإصابات.
وهو يعتقد أن الاستراتيجية لا تحمي القطاعات التي تكثر فيها إصابات العمل، لأن أغلب العاملين في هذه القطاعات ليس لديهم اشتراك في الضمان الاجتماعي. ويقول: "لم نتمكن من معرفة تأثير الاستراتيجية، إلا من خلال تسجيل المنشآت التي تكثر فيها إصابات العمل في الضمان الاجتماعي وشمول العاملين في الحماية الاجتماعية".
ويشدد الصبيحي على ضرورة أن تتبع الاستراتيجية أمور وإجراءات أخرى؛ منها: إعادة تفعيل معهد السلامة والصحة المهنية الذي يتبع لوزارة العمل، واستحداث تدريبات في المعاهد التابعة لمؤسسة التدريب المهني وتوعية المستفيدين بأخطار كل مهنة وبخاصة الخطرة منها وطرق الوقاية من تلك الأخطار.
ويستدرك بالقول إن المفترض إطلاق الاستراتيجية في أيار هذا العام بعد أن تمت الموافقة عليها، ويتساءل: لماذا تطلق في نهاية العام؟ وما إذا كان هناك إمكانية في تنفيذ ما أمكن منها حتى نهاية العام؟
الأبحاث والدراسات تُسهم بنجاح الاستراتيجية
بينما يقول المستشار في السلامة العامة حمدي جعفر إن الاستراتيجية تُظهر الاهتمام العميق والجدي من قبل مؤسسة الضمان في تحسين منظومة السلامة والصحة المهنية على المستوى الوطني، ويبدو جليا الجهد المبذول والدراسات العلمية للتوصل إلى هذه الاستراتيجية.
ويشير إلى أن وضع حوافز ملائمة للمؤسسات والشركات التي تحصل على معايير الجودة المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية يشجعها على رفع مستوى السلامة العامة، إلى جانب دعم المؤسسات والشركات الراغبة بالحصول على معايير الجودة المتعلقة بالسلامة والصحة وتشجيعها للحصول عليها.
ويرى جعفر أن اشراك المؤسسات والشركات والكليات والأشخاص ودعم الأفراد للقيام بالأبحاث والدراسات في مجال السلامة والصحة المهنية وعدم حصر ذلك بالجامعات الأردنية فقط، وفتح أبواب النقاش والتشاور مع مستشاري وخبراء السلامة العاملين في مختلف المجالات بشكل دوري يسهم في نجاح الاستراتيجية.
ويقترح الابتعاد عن محاولة تطبيق الاستراتيجية من خلف المكاتب ومن قبل الإدارات العليا في المؤسسات والوزارات وحاملي شهادات السلامة ممن لم يقوموا باستلام أي واجب ومسؤولية حقيقية في أي مشروع أو منشأة، بل وتمكين العاملين بقطاع السلامة في السوق المحلي من المشاركة بخبراتهم العملية في تطبيق الاستراتيجية وتقييم أدائها.
كما يقترح وضع سياسات تحّمل الشركات والمؤسسات مسؤولية مالية بنسب مئوية من تكاليف العلاج أو الإعاقة والمساءلة القانونية الجزائية والحقوقية، في حال تعرض عاملوها لإصابات ناتجة من عدم تطبيق معايير السلامة دون أن يقوم الشخص المصاب أو ذويه بمتابعة القضاء.
توعية أصحاب العمل
مستشار ومدير السلامة والصحة المهنية في عدة شركات أسامة أبو نوّاس يشدد على ضرورة أن تتضمن الاستراتيجية توعية لأصحاب العمل "لأهمية دورهم في معرفة الاستراتيجية ووجود من يمثلهم".
ويحض على أن تتضمن الاستراتيجية عقد وزارة العمل لدورات متخصصة في السلامة والصحة المهنية وليس أي جهة أخرى، ما ينعكس إيجابا على مخرجات العمل وتقليل إصابات العمل؛ "بعض الجهات التي تعقد التدريبات غير مؤهلة ما ينتج عن ذلك مخرجات ليست بالمستوى المطلوب ولا تراعي الإجراءات الصحيحة في السلامة والصحة المهنية ولا تطبقها بشكل جيد".
ويقترح إقامة مؤتمر سنوي مختص في السلامة والصحة المهنية لمواكبة التغيرات والتطورات التي تحدث على أنظمة السلامة والصحة المهنية ومناقشة المواضيع المتعلقة في السلامة والصحة المهنية كافة وتبادل الخبرات فيما بين الشركات.
تعميم الاستراتيجية
مديرة السلامة والصحة المهنية في شركة خاصة ريما الشوبكي تؤيد أن الاستراتيجية جيدة، وتدعو لتعميمها على الجميع للاستفادة منها، وأن تضع مؤسسة الضمان خطة عمل محكمة لتنفيذها خلال المدة الزمنية المحددة.
ولاحظت الشويكي أن الاستراتيجية أشّرت إلى "نقص" كوادر الصحة والسلامة المهنية، وقالت إن هذه نقطة مهمة ويجب التركيز عليها لسد هذا النقص.
وتأمل أن تقل إصابات العمل عند تطبيق الاستراتيجية على أرض الواقع بجميع الشركات والمؤسسات في كلا القطاعين ومتابعتها من قبل الجهات المعنية، "ما هو مهم في الاستراتيجية هو تحليل نقاط القوة والضعف والتهديدات والفرص للبنية الداخلية".
وتلفت الشويكي إلى ضعف الرقابة من قبل موظفي السلامة والصحة المهنية في سوق العمل الذين يجري اعتمادهم من قبل وزارة العمل، وضعف التدريب في هذا المجال.
وتعتقد أن تنفيذ الاستراتيجية يجعل صاحب العمل على معرفة في الأدوات اللازمة في بيئة العمل ويعرف حقوقه وواجباته تجاه الموظفين للحفاظ على سلامتهم. وتستذكر حادثة العقبة المروعة التي حصلت العام الماضي، التي كان سببها بالدرجة الأولى عدم اتباع إجراءات السلامة والصحة المهنية.
أرقام ونسب
ووفقا لآخر إحصائية صادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي عام 2021، فقد بلغ عدد الحوادث المسجلة لدى المؤسسة 21388 حادثا في مختلف القطاعات، اعُتمد منها 15403 كإصابة عمل بما نسبته 72 بالمئة من إجمالي الحوادث المسجلة في ذلك العام، وارتفعت نسبة إصابات العمل المعتمدة بنسبة 27.4 بالمئة عن عام 2020.
كما وقعت12851 إصابة عمل من مجمل الإصابات المعتمدة في عام 2021، وفقا للإحصائية ذاتها، في مؤسسات القطاع الخاص، منها 86.7 بالمئة للمؤمن عليهم الأردنيين و13.3 لغير الأردنيين، واحتل قطاع الصناعات التحويلية العدد الأكبر في تسجيل الإصابات البالغ 4057 إصابة عمل بما نسبته 31.6 بالمئة، يليه قطاع الصحة والعمل الاجتماعي بـ2830 إصابة بنسبة 22 بالمئة، ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة بـ2169 إصابة بنسبة 16.9 بالمئة.
مطالبات بتطبيق معايير السلامة
وطالب "المرصد العمالي الأردني" من خلال ورقة موقف متخصصة، بضرورة تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل من خلال تكثيف التنسيق بين الجهات المعنية، وكذلك زيادة فعالية التفتيش والرقابة وتكثيفها على منشآت الأعمال.
وتشير الورقة إلى أن العديد من أصحاب الأعمال لا يتحملون إلا القليل من المسؤولية حيال حماية سلامة وصحة العاملين لديهم، ولا يعرفون بالضبط مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية لحماية العمال.
ورغم النصوص التي تحتويها التشريعات الأردنية المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية وانسجامها بشكل جيد مع المعايير الدولية ذات العلاقة، إلا أنه يتضح التفاوت في مستويات تطبيقها وبخاصة في التشريعات والسياسات ذات العلاقة بمنشآت الأعمال، إذ إن مستويات تطبيقها متدنية في المنشآت الصغيرة، بينما هي متوسطة في معظم المنشآت المتوسطة والكبيرة.