حذر المرصد العمالي من استمرار تراجع شروط العمل في الأردن، وأن هنالك مؤشرات كبيرة على تراجع احترام معايير العمل المتعارف عليها عالميا ومحليا، وتخلي عن منجزات للدولة الأردنية.
وأوضح التقرير الذي أصدره المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق والذي يصادف في السابع من تشرين أول/أكتوبر من كل عام، أن توسع الأنشطة الاقتصادية والعمل غير المنظم زاد ويزيد من أعداد العاملين والعاملات الذين لا يتمتعون بالحدود الدنيا من معايير العمل اللائق، وخاصة الحماية الاجتماعية.
وأكد التقرير أن توسع العمل في شركات التعهيد outsourcing أضعف بشكل ملموس شروط العمل في الأردن، حتى في بعض الشركات الكبرى التي كانت تقدم ظروف عمل للعاملين والعاملات فيها بشكل متميز.
وأشار التقرير الى أنه في الوقت الذي ساهمت فيه أشكال العمل الجديدة عبر التطبيقات المختلفة من تشغيل عشرات الآلاف من الأردنيين، فإن الغالبية الكبيرة من العاملين فيها لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، ناهيك عن معايير العمل غير العادلة والمنصفة الأخرى.
وطالب التقرير بوقف عمليات اضعاف معايير العمل الأردنية في كل من قانوني العمل والضمان الاجتماعي والأنظمة الصادرة بموجبهما من أجل تحفيز الاقتصاد والاستثمار على حساب إضعاف شروط العمل اللائق وبخاصة في القطاع الخاص. حيث يشكل ذلك تخليا عن ما تم إنجازه من مكتسبات في مسار تعزيز بيئة العمل اللائق في الأردن.
وأوضح التقرير أن العديد من المؤشرات، تُظهر بوضوح أن غالبية العاملين والعاملات بأجر يُعانون من ظروف عمل غير لائقة، أكان من حيث عدم توفر فرص عمل أساسا أو مستويات الأجور المتدنية أو اتساع أعداد العاملين غير المنظمين (غير المشمولين بالضمان الاجتماعي) أو غياب الأمان والاستقرار الوظيفي، إضافة إلى اتساع رقعة الانتهاكات والاعتداءات على حقوقهم العمالية والإنسانية المنصوص عليها في تشريعات العمل الأردنية.
وأشار التقرير إلى أن سياسات التشغيل في الأردن ما زالت قاصرة على تخفيض معدلات البطالة التي وصلت لمستويات عالية جدا، لأنها لم تستهدف معالجة الأسباب الحقيقية وراءها مثل تراجع الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل لائقة وكافية لطالبيها، وسياسات التعليم حيث التوسع في التعليم الجامعي الأكاديمي على حساب التعليم المتوسط والتقني والمهني.
ولفت إلى أن معدلات البطالة وصلت خلال الربع الأول من العام الحالي إلى (21.9) بالمئة، وبين الشباب في الفئة العمرية 15-24 سنة (46.1) بالمئة (42.1 بالمئة للذكور مقابل 64.1 بالمئة للإناث)، وهي من بين المعدلات الأعلى عالميا.
وبين التقرير أن مستويات الأجور في الأردن على حالها، أكان بالنسبة للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص (البالغ 260 دينارا) أو حتى الأجور في القطاع العام وبخاصة علاوة غلاء المعيشة الشهرية البالغة 135 دينارا، إذ لم تزد منذ نحو 10 سنوات، على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم في الأردن خلال العقد الأخير، لتبلغ نحو (31) بالمئة.
وبالنسبة إلى الحمايات الاجتماعية، أكد التقرير أن نحو نصف القوى العاملة في الأردن ما تزال غير مشمولة بالضمان الاجتماعي، ويعملون وفق أطر غير منظمة، وما تزال الأدوات التأمينية لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي قاصرة على شمولهم جميعا.
ورأى أن التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون الضمان الاجتماعي كان العديد منها تراجعيا وتمس الحمايات الاجتماعية للمشتركين الشباب.
وينطبق ذلك أيضا على بعض التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون العمل، اذ أضعفت قدرة العمال على اجراء مفاوضات جماعية، الى جانب اضعاف مزيد من الاضعاف للنقابات العمالية، وستسهم في إضعاف شروط العمل أكثر مستقبلا.
أما بالنسبة إلى السلامة والصحة المهنية، فلاحظ التقرير أن مستويات تطبيقها تتراجع بشكل مستمر، وشمل ذلك العديد من منشآت الأعمال الكبيرة والقطاعات الاقتصادية الهامة، ما نجم عنها زيادة ملموسة في إصابات وحوادث العمل الصعبة.
كما أن هناك ضعفا في دور منشآت العمال في زيادة وعي العاملين والعاملات في أهمية الالتزام بتطبيق معايير السلامة والصحة المهنية، بمن فيهم العاملون في منشآت الأعمال التي توفر المستلزمات المادية للحفاظ على سلامتهم أثناء العمل.
ورأى التقرير أن أنظمة السلامة والصحة المهنية الجديدة التي أصدرتها وزارة العمل في حزيران الماضي خطوة جيدة باتجاه تعزيز التدابير الوقائية، على الرغم من أنها كانت بحاجة إلى مراجعة أكثر وإضافة العديد من المواد التي من شأنها تعزيز منظومة السلامة والصحة المهنية.
وبين التقرير أن وزارة العمل لم تُجرِ أي مشاورات وحوارات مع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة عند صياغة هذه الأنظمة.
وأكد التقرير أن غالبية الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في سوق العمل أتت نتيجة غياب الاستقلالية عن النقابات العمالية بالأردن، وتراجعها الملموس في الدفاع عن شروط العمل وعن لعب دور أساسي في الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية بين العمال وأصحاب العمل، إضافة إلى الضعف الكبير في إنفاذ التشريعات العمالية وبخاصة قانوني العمل والضمان الاجتماعي والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبهما.
وأوصى التقرير بضرورة مراجعة مختلف السياسات الاقتصادية المُتبعة في الأردن، من أجل تحسين معايير العمل، وتفعيل انفاذها، وتطوير أدوات تأمينية مدعومة من قبل الحكومة في اطار الضمان الاجتماعي لشمول جميع العاملين بأجر في منظومة التأمينات الاجتماعية التي تقدمة مؤسسة الضمان الاجتماعي.
كما أوصى بضرورة رفع مستويات الأجور في القطاعين العامل والخاص بما يتناسب مع ارتفاعات الأسعار الكبيرة التي يعاني منها الأردن.