المرصد العمّالي الأردني- رزان المومني
في الثاني من أيار عام 2021 صدر نظام عمّال الزراعة، الذي بموجبه أصبح عمّال الزراعة معترفا بهم كعمّال من قبل وزارة العمل، ورغم ذلك لم يلمس العمّال الفارق في صدوره.
وفي الوقت الذي تؤكد وزارة العمل أنه جرى تفعيل النظام، يؤكد حقوقيون أن النظام لم يُفعّل بعد وأن عمّال الزراعة لم يحصلوا على حقوقهم العمّالية، ولا يوجد ما يدلل على تفعيله على أرض الواقع. ويرى نقابيون أنّ عدم تفعيل النظام بشكل جيّد يعزز من الانتهاكات العمّالية التي يتعرض لها عمّال الزراعة بشكل مستمر.
ويقول عمّال زراعيون، في أحاديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إنهم انتظروا سنوات طويلة لصدور النظام ليضمن لهم حقوقهم العمّالية، لكنهم يخشون أن ينتظروا مزيداً من السنوات حتى يجري تطبيق النظام بشكل جيّد.
ما أهمية تطبيق النظام؟
يعمل "أبو محمد" في مزارع لإنتاج الحمضيات في الأغوار الشمالية منذ 30 عاماً، يستهل حديثه لـ"المرصد العمالي الأردني"، بالتساؤل: "متى سيطبق نظام الزراعة لأحصل على حقوقي العمّالية بدون أن أواجه أي معاناة؟".
ويوضح أن عمله غالباً ما يكون في فصل الشتاء وتحت المطر، "أغلب المنتجات في البيّارة هي محاصيل شتوية مثل الحمضيات وهذا ما يضاعف الصعوبات التي تواجهني خلال العمل، ناهيك عن تأخر الأجر وقلّته، ولا دخل آخر أعيش وأسرتي المكونة من خمسة أفراد منه".
ويشير إلى أن صاحب المزرعة مدين له بأجور مستحقة منذ العام الماضي، "النظام يضمن لي تحصيل الأجر خلال مدة لا تجاوز الأسبوع، ولو أن النظام يطبق على أرض الواقع، لكنت قد حصّلت المبلغ المستحق دون تأخير".
ويرى "أبو محمد" أن أصحاب القرار لا يدركون أن تطبيق النظام على أرض الواقع يعود بالفائدة على العمّال، وبالتالي على قطاع الزراعة ككل وعلى الاقتصاد الوطني، "تطبيق النظام يعني تحسين ظروف العمل يعني تشجيع الناس على العمل بالزراعة وبالتالي زيادة الإنتاج الزراعي".
المزارعات الأكثر تضرراً
أما يسرى السميرات، التي تعمل منذ نحو ثمانية أعوام في مزارع الأغوار الشمالية، ومسؤولة عن 14 مزارعة، فتقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن المزارعات هنّ الأكثر تضرراً من عدم تطبيق النظام، لأن أجورهن أقل من أجور الرجال.
وتوضح أن أصحاب المزارع يشترطون على العاملات العمل خمس ساعات يومياً بأجر ستة دنانير يومياً، أو العمل 15 يوماً ويحصلن على أجر 10 أيام فقط، وذلك ليضمنوا وجود عاملات، "أحياناً أصحاب المزارع يختلقون المشاكل أو يشككون بجودة العمل لاستبدال العاملات بأخريات، بدون دفع الأجور المستحقة".
وتبين أن المزارعات يتخوفن من تقديم شكاوى لأسباب كثيرة؛ منها: صعوبة المواصلات وارتفاع كلفتها مقارنة بالأجر الذي يحصلنه، ويضطررن إلى التغيب عن العمل في ذلك اليوم، وبالتالي قد يفقد عملهن، وما إن يعرف صاحب العمل بأنها قدمت شكوى، حتى يمنعها من العمل.
وتعتقد أن تطبيق النظام يساعد على تحسين ظروف عملها والمزارعات، وتستطيع أن تحصّل أجرها المتراكم لدى صاحب العمل، الذي تقدره بمئات الدنانير، إلى جانب تحديد ساعات العمل، وتوفير حمايات اجتماعية وحضانات لأطفال النساء المتزوجات.
ويؤكد تقرير أعدّه المرصد العمّالي الأردني، أن عدم توافر الحضانات لأطفال النساء العاملات في الزراعة، يرتب تحديات وضغوطات إضافية على العاملات، اللاتي يعانين أصلاً من ظروف عملٍ صعبة، ليس أقلها الأجور القليلة التي في بعض الحالات لا تكفي لوضع أبنائهن في حضانات.
عدم تفعيل النظام يعزز الإنتهاكات
"المرصد العمّالي الأردني" سأل وزارة العمل حول موعد تفعيل نظام عمّال الزراعة، وكان رد الوزارة بأن النظام قد بدأ سريانه "من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 2 أيار 2021".
وتقول الوزارة إنها منذ بداية سريان النظام، تقوم بدورها التوعوي والإرشادي من خلال مديرية التفتيش المركزي التابعة لها، وتوعية أصحاب العمل والعمّال، بهدف التنظيم والسيطرة على القطاع الزراعي للوصول إلى بيئة عمل آمنة ومنظمة تشجع العمالة الأردنية على الانخراط فيها.
وتبين الوزارة بأنها استقبلت 450 شكوى من العمّال عبر منصة "حماية"، ونفذت 1064 حملة تفتيشية في مختلف المحافظات، وأنها تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق صاحب العمل في حال وجود مخالفة ما، وقد بلغ عدد المخالفات 42 مخالفة، منذ حزيران عام 2021 حتى هذه اللحظة.
وتوضح أنه يتم استقبال شكوى وبيان الأوجه القانونية لها من قبل المفتش للمشتكي، وفي حال وقوع الشكوى ضمن صلاحيات الوزارة، توثق على النظام الإلكتروني، ويجري مفتش العمل زيارة ميدانية للمنشأة، ويعد تقييما لها ويرسل إشعارا رسميا بملاحظات المخالفة والمتابعة، للتأكد من قيام المنشأة بتصويب أوضاعها، وإشعار المهلة الممنوحة لتصويب الأوضاع، وعواقب عدم التصويب خلال المدة المحددة.
في حين تؤشر تصريحات الجهات المعنية عقب صدور النظام إلى عدم وجود نية حقيقية لتطبيق النظام، ما يعزز من الانتهاكات العمّالية الواقعة على العمّال بشكل مستمر، وفق ما يعتقد رئيس النقابة المستقلة لعمّال الزراعة (تحت التأسيس)، مثقال الزيناتي.
إذ أصدر رئيس الوزراء بشر الخصاونة البلاغ رقم "41" في تموز 2021، الذي يشكل تراجعاً عن إلزام أصحاب العمل بشمول عمّال الزراعة في الضمان الاجتماعي، ويعفيهم من إشراكهم بتأمينات (الشيخوخة والعجز والوفاة وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل)، مستثنيا تأمين إصابات العمل حتى بداية عام 2023.
وأعلن وزير العمل ببيان له مطلع شباط 2022 أن مشروع القانون المعدل لقانون الضمان الاجتماعي يتيح لأصحاب المزارع شمول العاملين لديهم فقط بتأمين إصابات العمل حتى بداية عام 2024.
ولربما يكون شمول العمّال فقط بتأمين الإصابات "أفضل الأسوأ وخيارا مؤقت" لضمان حصول العمّال على تأمين واحد فقط من التأمينات، إلا أنه يحرمهم من التأمينات الأخرى (الشيخوخة لا تشمل كل العمّال، العجز والوفاة وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل)، وهذا ما يفسر عدم النية في تطبيق النظام، الذي يضمن للعمّال الحصول على التأمينات كافة.
وفي السياق نفسه، يقول خبير التأمينات الاجتماعية والناطق السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي، موسى الصبيحي، إنه في حال تعرض عمّال الزراعة لإصابات عمل لا يجري إشراكهم في الضمان الاجتماعي بأثر رجعي وتعويضهم عن الإصابات، إلا بعد صدور القانون المعدل لقانون الضمان، والذي يناقش حالياً في مجلس النواب.
ويوضح أن التعديلات المقترحة على قانون الضمان الاجتماعي في (الفقرة "د" المُضافة للمادة 59) تنص على شمول العاملين في الحيازات الزراعية بتأمين إصابات العمل فقط، إلى أن يصدر قرار من مجلس الوزراء بشمولهم ببقية التأمينات بشكل كلي أو جزئي.
ويرى أن شمول عمّال الزراعة يجب أن يكون في جميع التأمينات المطبّقة حالياً، لمساواتهم ببقية العاملين في القطاعات الأخرى، إلا أن الإصرار والتبريرات المقدّمة من الحكومة ومؤسسة الضمان الاجتماعي، بضرورة التدرج بشمولهم، وأن القطاع لا يتحمّل اشتراكات عن كامل التأمينات.
ويشدد على ضرورة شمول النساء العاملات في الزراعة بتأمين الأمومة، "بالتأكيد النساء الأكثر تضرراً، لأنهن لا يحصلن على أجر خلال فترة الأمومة ويبقين بلا أي دخل".
ويقترح الصبيحي أن تشمل المرحلة الأولى من شمول العاملين في الحيازات الزراعية تغطيتهم بتأمين إصابات العمل وتأمين الأمومة، لكونه يعزز حماية العاملات في هذا القطاع، "كلنا نعلم بأن نسبة كبيرة من النساء يعملن بأجر كعاملات زراعيات في الحيازات الزراعية وبخاصة في مناطق الأغوار".
ويدعو إلى تعديل شرط الاستفادة من بدل إجازة الأمومة (الفقرة أ من المادة 44) بحيث يتوفر للمؤمّن عليها (3) أشهر اشتراك بالتأمين خلال الإثني عشر شهراً الأخيرة من خدمتها وليس ثماني اشتراكات لحماية العاملات الموسميات في الحيازات الزراعية، اللاتي يمثلن أغلبية النساء العاملات في الزراعة.
ويعتقد الصبيحي أن نظام الزراعة غير مفعل حتى هذه اللحظة، وأن ما يدلل على عدم تفعيله أن الحيازات الزراعية غير مسجلة ومرخصة من قبل وزارة الزراعة، وأن عمّال الزراعة ما زالوا لا يحصلون على الحد الأدنى للأجور.
ويلفت إلى أن الرقابة على تطبيق الحد الأدنى للأجور لعمّال الزراعة غير موجودة، وجزء كبير يعمل بنظام المياومة وجزء آخر يعمل في المواسم، وهذا، بتقديره، يستدعي التفكير بصورة أشمل لحماية العاملين في القطاع، وتحفيز العمالة الأردنية للعمل في قطاع الزراعة.
بدورها، تقول رئيسة النقابة العامة للعاملين في الصناعات الغذائية، وعضوة المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات عمّال الأردن بشرى السلمان إن النقابة ستطالب بتفعيل نظام الزراعة على أرض الواقع، والالتزام بتنفيذ ما نص عليه من حقوق العاملين، وتطبيق نظام العقد الموحد أو العقد القطاعي، وتكثيف التفتيش والرقابة بمختلف أشكالها على أصحاب الحيازات الزراعية.
وكانت وزارة العمل في تصنيفها الأخير للمهن ألحقت العاملين في الزراعة بنقابة العاملين في الصناعات الغذائية وترفض السماح بإنشاء نقابة خاصة بهم ولا تعترف بالنقابة المستقلة للعاملين بالزراعة.
وتوضح السلمان أن النقابة ستعمل على عقد لقاءات وورشات عمل، لتوعية وتثقيف العمّال على أهمية التنظيم النقابي وظروف وبيئة العمل اللائق، وانعكاس تنظيم القطاع الزراعي على الاقتصاد الأردني، وكيفية جذب العمالة المحلية للعمل في القطاع.
ووفق تقديرات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2014، فيبلغ مجموع العاملين في هذا القطاع نحو (40 ألف) عامل وعاملة. وفي تصريح سابق للزيناتي، فإن غالبية من يعمل في القطاع هم من النساء، إذ تصل النساء العاملات في الزراعة ما نسبته 70 بالمئة من إجمالي العمالة الزراعية.