المرصد العمّالي الأردني- رزان المومني
تتعرض المعلمات العاملات في المدارس الخاصة لانتهاكات مهنية وعمالية صارخة، ليس أولها الرواتب التي لا تجاوز نصف الحد الأدنى للأجور، إذ تتقاضى 55 بالمئة منهن دون الحد الأدنى للأجور، وفق أرقام حملة "قُم مع المعلم".
تؤكد معلمات يعملن في مدارس خاصة، لـ"المرصد العمّالي الأردني"، أنهن يتعرضن لانتهاكات كثيرة، بدءاً من عدم الحصول على نسخة من عقد العمل والحرمان من الإجازات السنوية، ونصاب حصص التدريس المضاعف وعدم الاشتراك في الضمان الاجتماعي وتسلم الرواتب باليد، التي قد لا تجاوز 80 ديناراً شهرياً.
آية خطاطبة، عمِلت في ثلاث مدارس خاصة منذ تخرجها عام 2019، تقول لـ"المرصد العمّالي" إن الراتب الذي تحصل عليه "لا يغطي أبسط من احتياجاتي وأحلامي"، وهي مجبرة على البقاء لأنه "لا بديل، غير أنهم زرعوا فينا فكرة الحصول على خبرة مهما كان الوضع سيئا".
آية بدأت مشوارها كأي فتاة تخرجت من الجامعة وترغب بأن تتوظف وتستقل ماديا، وهي بحثت كثيراً عن عمل إلى أن وجدت غرب مدينة إربد مدرسة بحاجة إلى معلمة صف، لتبدأ المعاناة.
وتؤكد أنها تحصل على نصف الحد الأدنى للأجور، "عندما نصل إلى نهاية الشهر يكون الراتب 80 دينارا، وأتساءل لماذا تآكل الراتب؟، ويكون الرد: أنتِ لم تضبطي الصف وحصلت على إجازات، وغيرها من الحيل التي يخترعها صاحب المدرسة كي لا أحصّل حقي".
وتوضح أنهن يتعرضن للخداع؛ "تُسجّل أسماؤنا في مديرية التربية على أننا نتقاضى الحد الأدنى للأجور، غير أن بطاقات الصراف مع مدير المدرسة، يسحبون الرواتب، ويمدون علينا 80 دينارا فقط".
عدد المعلمات في المدرسة أربعون معلمة، "أعلى راتب قد تحصل عليه المعلمة في المدرسة هو 250 ديناراً، ومن لديهن اشتراك في الضمان الاجتماعي لا يجاوزن عدد أصابع اليد الواحدة".
وتؤشر آية إلى أنها لا تمتلك نسخة من عقد العمل أو أي وثيقة أخرى تثبت عملها في المدرسة، "منذ البداية لم أحصل على أي وثيقة تؤكد أنني أعمل في المدرسة".
وتذهب إلى أن نصابها الأسبوعي من الحصص الذي تقول إنه قد يصل أحياناً إلى 42 حصة، ما يعني أنه يتخطى ما هو مقرر في خطة وزارة التربية والتعليم المتعلقة بالتشكيلات المدرسية، إذ أن المقرر لمعلمي الصفوف من الأول حتى الثالث 21 حصة عادية.
أما آلاء، التي عملت نحو سنتين في مدرسة خاصة شرق محافظة عجلون، فتقول لـ"المرصد العمّالي" إنها لم تكن تشعر بالانتماء للمدرسة، "يطلبون منّا أن نصبر لتستمر المدرسة وتتقدم، ونحن لا نتقدم مع المدرسة، وهذا كله على حساب حقوقنا".
وتؤكد أنها كانت تحصل على راتب شهري 80 دينارا، دون علاوات ولا مكافآت، "خلال جائحة كورونا تقلص إلى 60 دينارا، لم آخذ حقوقي العمالية ولم أحصل على شهادة خبرة في نهاية عملي، غير أنني استطعت الاشتراك بالضمان الاجتماعي لسنة واحدة فقط".
وتلفت إلى أن الراتب لا يكفي لشراء أبسط الاحتياجات "الراتب يذهب أجرة تنقّل 15 ديناراً، بطاقة موبايل، واقي شمس، وبعض الاحتياجات الشخصية!".
آلاء كانت معلمة لغة إنجليزية لجميع صفوف المدرسة، "المدرسة لغاية الصف الثالث، ولا يختلف وضع المعلمات الأربع الأخريات في المدرسة عن وضعي".
عام 2015 ظهرت حملة "قُم مع المعلم"، بهدف تحصيل الحقوق العمالية لمعلمي ومعلمات المدارس الخاصة، وبخاصة تلك المتعلقة بأجورهم وإجازاتهم.
تؤكد هبة أبو غنيم، المسؤولة القانونية في الحملة لـ"المرصد العمّالي"، أن 55 بالمئة من معلمات المدارس الخاصة يتقاضين رواتب دون الحد الأدنى للأجور (المحدد بـ260 دينارا)، كما أن 42 بالمئة من المعلمات لا تحوَّل رواتبهن إلى البنوك أو المحافظ الإلكترونية، وهناك 100 مدرسة خاصة تسلم الرواتب باليد.
"أنشأنا استبيانا مفصلا جرى توزيعه على معلمات المدارس الخاصة في المملكة، فكانت النتائج صادنة: 24 بالمئة لا يوقعن على العقد الموحد (المتفق عليه بين وزارة العمل ونقابتي أصحاب المدارس الخاصة والعاملين في المدارس الخاصة)، 73 بالمئة لا يستلمن نسخة من عقد العمل، 73 بالمئة لا يحصلن على علاوة التعليم"، تصرح لـ"المرصد العمّالي".
وتلفت إلى أن حجم الشكاوى الواردة للحملة عبر منصات التواصل الاجتماعي والهواتف كثيرة، "تتمحور حول عدم تحويل الرواتب للبنوك، وقلة الرواتب التي تسلم باليد، وامتناع بعض أصحاب المدارس الخاصة عن دفع الراتب لعدة شهور متتالية".
وتشير إلى أن الحملة تتعامل مع الشكاوى من خلال "لجنة وسيطة مع وزارة التربية والتعليم".
وتطالب أبو غنيم بتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوقف هذه الانتهاكات العمالية الواقعة على المعلمات، وإلزام المدارس الخاصة المخالفة بتطبيق القانون وبنود العقد الموحد بشكل جاد وسريع.
من جهته، يقول الناطق باسم نقابة المعلمين الأردنيين نور الدين نديم لـ"المرصد العمّالي" إن ثلث مجموع المعلمين في الأردن يعملون في القطاع الخاص، "عدد المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة 42 ألفا، ويتعرضون لانتهاكات كثيرة، تسهم بشكل غير مباشر في تراجع المنظومة التعليمية ككل".
ويلفت إلى أن ضعف المؤسسات التعليمية في القطاع العام وقلة الإمكانيات وتزايد أعداد الطلاب ونظام التعليم في الفترتين (الصباحي والمسائي)، أسهمت في الهجرة إلى القطاع الخاص، "أصبحت المدارس الخاصة تستوعب قرابة 30 بالمئة من الطلبة، وهذه نسبة ليست سهلة".
ويؤكد بأن نقابة المعلمين، التي هي المظلة الشرعية التي تشمل جميع المعلمين والمعلمات في الأردن، أنشأت منذ البداية لجنة خاصة لمتابعة المدارس الخاصة تضم ستة محامين، وتم تفعيلها والعمل على خطة متكاملة في عام 2019.
وينبه نديم إلى أنه "ضمن النظام لا يستطيع أحد أن يمارس مزاولة مهنة التعليم، إلا إذا حصل على موافقة نقابة المعلمين، وبعد الإضراب الشهير للنقابة، فعّلت الحكومة دور نقابة أصحاب المدارس الخاصة، التي لا تشمل المعلمين والمعلمات، ولا يُجاوز عدد المدارس الخاصة التي تقع تحت مظلتها 40 مدرسة فقط".
ويرى أن المعلمات يتعرضن لمعاملة سيئة من الإدارة والطلاب وأولياء الأمور، "في أحد المواقف تعرضت معلمة لموقف سيء، عندما شتم طالب الذات الإلهية وضربته، وبعد أن وبختها المديرة أخبرتها أنها تفضل فصلها من المدرسة على أن تفصل الطالب!".
ويقترح نديم الحلول التي يمكن أن تحسّن من أوضاع المعلمات في المدارس الخاصة، ومنها: توحيد مظلة حماية المعلمات في القطاع الخاص لتكون وزارة التربية والتعليم هي المظلة، وفرض رقابة صارمة على المدارس الخاصة.
ويرى أن إقرار مشروع تصنيف المدارس الخاصة حسب الخدمات التي تقدمها المدرسة والمرافق والسعة، هي خطوة جيّدة لتحسين الوضع، وبناءاً على التصنيف تتقاضى الرسوم وتدفع رواتب للمعلمات والمعلمين، إلى جانب تصنيف رتب لمعلمي ومعلمات القطاع الخاص كما في القطاع العام.
من جانب آخر، لا تحصل المعلمات في القطاع الخاص على دورات تدريبية تطور من مهاراتهن الوظيفية والمهنية، وإن جرى ذلك، فيكون على حسابهن الشخصي.
في ضوء ذلك، يقترح نديم شمولهن بمظلة التنمية والتأهيل والتدريب أو إلزام المدارس الخاصة بإعطاء معلميها تدريبات، "مثلما يُعتمد نظام مناهج موحدة، يجب أن يُعتمد نظام تدريب وتطوير موحد، ولا يصح أن يتأهل معلمو القطاع الخاص بشكل مختلف عن معلمي القطاع الحكومي".