الرئيسية > كيف يمكن الإفادة من "الجفت" للتشغيل وحماية البيئة

كيف يمكن الإفادة من "الجفت" للتشغيل وحماية البيئة

الخميس, 11 تشرين الثاني 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
كيف يمكن الإفادة من
المرصد العمالي الأردني - رزان المومني 
توفر المخلفات الناتجة عن عملية عصر الزيتون "الجفت" فرص عمل جيدّة للعديد من الأشخاص خلال "موسم الزيتون"، خصوصا وأنها مصدر رخيص للطاقة بديل للمحروقات من كاز وديزل وكهرباء لغايات التدفئة. 

ينتج الأردن أكثر من 70 ألف طن من الجفت سنوياً. وتقدر عائدات هذه الأطنان بنحو 5 ملايين دينار أردني، وفق دراسة أجريت عام 2013. 

ينتج الجفت بكميات كبيرة في الأردن، وبخاصة في محافظات الشمال، مثل عجلون وجرش وإربد، والأخيرة هي الأكثر إنتاجاً.

في الوقت ذاته، إذا لم يجر استغلال مخلفات الزيتون واختلطت بالتربة، فإنها قد تسبب السرطانات، وتلوِّث المياه الجوفية، ويعتبر خبراء البيئة مشكلة التخلص من المخلفات مشكلة موسمية.

ما هو الجفت؟
الجفت هو المخلفات الناتجة عن عملية عصر الزيتون، واستخراج الزيت منه. وعادةً ما يبدأ العصر في منتصف تشرين الأول من كل عام، وتستمر حتى كانون الثاني.

تؤخذ المخلفات من لب الزيتون وغيره بعد عصره، وتعجن داخل خلاطات وتضغط باستخدام كابسات، وبعدها تخرج على شكل أسطوانات، وتقسم إلى أحجامٍ مختلفة. 

تنقل الاسطوانات إلى ساحات واسعة وتبقى مدة شهر حتى تجف بفعل أشعة الشمس، وبعدها توضع بأكياس "شوالات"، وتنقل إلى المخازن أو تباع مباشرة.

يستعمل الجفت عادة في المواقد بدل الحطب، نظراً لانخفاض تكلفته، وارتفاع الوقود الصناعي من ديزل وغاز وكهرباء. 

يفضل بعض الناس استعماله في مواقد ومدافىء الحطب، رفضا لما يقترفه بعض تجّار الحطب من قطع الأشجار الحرجية. 

غير أن هناك من يرى، وبخاصة الخبراء والخبيرات في مجال البيئة، أنه يضر البيئة عند حرقه في المواقد. فيما يذهب آخرون إلى أن استخدامه للتدفئة هو الإجراء الأقل إضرارا بالبيئة، قياسا باحتمالية تركه ليختلط بالتربة.

الجفت وتشغيل الأيدي العاملة
يعمل الشاب أنس منذ عشر سنوات في تصنيع الجفت، وبدأ عاملاً على الكابس ليتنقل بعدها للعمل بجميع مراحل تصنيع الجفت، ويصبح اليوم صاحب عمل.

يقول أنس لـ"المرصد العمّالي"، أنه يشتري الجفت من المعاصر كل عام في مثل هذا الوقت، ويكبسه باستخدام الكابس، ويضعه بساحات المعصرة. أو ينقله دون كبس إلى ساحات أخرى بواسطة شاحنة، وينتظر حلول شهر نيسان ليُكبس ويخزن لحين بيعه.

ويوضح أن عملية الكبس تحتاج إلى شهرين أو ثلاثة أشهر، ويقوم بهذا العمل من 6 إلى 7 عمال، "العمل في الجفت يحتاج إلى عامل للكابس وعامل كريك وعمال لنقل الجفت إلى الساحات أو الشاحنة أو المخازن".

ويؤكد أنه لا يوجد ساعات عمل يومية معينة، ويأخذ العمال أجورهم حسب عدد الأطنان التي أنتجت، "أجر العامل على الطن 8 دنانير، ومن الممكن إنتاج أكثر من ثلاثة أطنان في اليوم". 

ويبين أنه يبيع الطن الواحد بـ 60 إلى 65 دينارا، وهذا يعتمد على حجم اسطوانات الجفت، "33 شوالا (كيسا كبيرا) يعتبرونها طنا واحدا، مع أنها أقل من ذلك، وبعض الأشخاص يشترونه قبل الكبس ويضعونه في شوالات ويستخدمونه دون كبس".

ويؤكد لـ"المرصد العمالي" أن العمل في الجفت يوفر فرص عمل ودخلا جيدّا، لكنه "موسمي.. لا يجاوز أربعة أشهر، ويحتاج الاستثمار به إلى رأس مال يبدأ من 30 ألف دينار".

ويشير إلى أن صافي الربح من الطن الواحد يصل إلى 30%، "أشتري الجفت من المعصرة بـ 100 دينار ويكون صافي الربح 30 دينار". 

ويلفت إلى أن البيع أحياناً "على الطلب"، وغالباً يُقبل الناس على الشراء منتصف العام، "ننقله من المخزن إلى البيوت أو أي مكان بواسطة الشاحنة، ويقوم العمال بتحميله وتنزيله، بعد التواصل معهم عبر الهاتف".

ويعرض للمخاطر التي قد تواجه العاملين في تصنيع الجفت، فمثلا العامل على الكابس، "يعمل الكابس على الكهرباء، ونبقى متخوفين من هذه الجزئية، ولكن لغاية هذا اليوم لم يحدث أي خلل أو تسجل أي حادثة".

كما أنه من المحتمل إصابة عامل التحميل والتنزيل، بلدغ الحشرات كالعقارب، عند جمع أسطوانات الجفت، أو نقلها من المخازن.

يؤكد مالك، الذي يعمل في تحميل وتنزيل الجفت منذ سنوات، أن اسطوانات الجفت المنتشرة في الساحات تبقى مدة شهرا كاملا تحت أشعة الشمس، "عند جمعها نجد حشرات تحتها، لذلك نبقى حذرين". 

ويوضّح أنه ينقل الجفت بشاحنة سعتها 4 أطنان، ويتقاضى أجر نقل الطن الواحد 3 دنانير. أي أنه يتقاضى 12 دينار في كل مرة ينقل فيها، ولا ينقل مرة واحدة في اليوم بل عدة مرات، "أحياناً تصل إلى عشر مرات".

ويشير إلى أن العمل في الجفت "موسمي"، ولا يشترك العاملون بالضمان الاجتماعي أو يحصلون تأميناً صحياً، وأغلبهم يكون لديهم عمل آخر، ويحصلون على الحمايات الاجتماعية منه، وبعض الشباب ممن يحملون شهادات جامعية، يعتبرونه مصدر دخل رئيس، في ظل غياب فرص العمل.

من جانبه يقول حسن الخالدي، مدير مديرية زراعة محافظة عجلون، إن عدد العاملين بالجفت في المحافظة عام 2020 يقارب 200 عامل فقط، وأنتجت المحافظة أكثر من 4600 طن في الموسم السابق.

ويشير إلى أن 40% من سكان المحافظة يعتمدون على الجفت مصدرا رئيساً للتدفئة. 

في حين يؤكد سلامة أيوب، مدير مديرية البستنة في المركز الوطني للبحوث الزراعية، أن إنتاج الجفت في محافظات الشمال هو الأكثر، وبخاصة محافظة إربد، ويتبعها محافظتا عجلون وجرش، وتجاوز النسبة 50% من إجمالي إنتاج الأردن.

وينوّه إلى أن المركز ليس لديه أرقام دقيقة حول كميات إنتاج الأردن من أطنان الجفت سنويا، أو عدد العاملين فيه.

الأثر البيئي
يعتبر خبراء في مجال الاقتصاد البيئي الجفت شكلاً من أشكال الاقتصاد الأخضر، التي تساهم في إعادة تدوير المخلفات الناتجة عن عصر الزيتون، وتوفر فرص عمل جيدّة، وفي الوقت ذاته يرى ناشطون بيئيون أنه يؤثر على البيئة نتيجة الاحتراق، ولا يقل سوءاً عن أي وسيلة تدفئة أخرى.

ويوضح عامر الجبارين، وهو خبير دولي في مجال اقتصاديات البيئة، أن مخلفات الزيتون تسبب السرطانات عند دخولها إلى التربة، لذلك، ولحماية المياه الجوفية من التلوث أيضاً، فإن الحل الأمثل هو تحويل هذه المخلفات إلى مصدر للتدفئة.

وفي جلسة نظمها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بعنوان "الاقتصاد الأخضر نحو توليد فرص عمل لائقة"، يوضح الجبارين أن إنتاج الأردن من الجفت بلغ 70 ألف طن في عام 2013، وأن العائدات الناتجة بلغت 7 ملايين دولار، أي ما يقارب 5 ملايين دينار أردني، "سعر الطن الواحد من الجفت يقدر بنحو 100 دولار أي 70 دينارا أردنيا تقريبا". 

ويشير إلى أن محدودي الدخل يشترون الجفت باعتباره بديلاً رخيصاً وعملياً في ظل ارتفاع أسعار المحروقات. "بدأت الأنظار تتجه الى الجفت كبديل عملي نظرا للطاقة الحرارية الكبيرة الناتجة عنه، وطول أمد احتراقه بسبب احتفاظه بنسبة من الزيت". 

ويلفت إلى أن موسم الزيتون يوفر فرص عمل جديدة على طول سلسلة قيمة الزيتون من منتج ومصنع مروراً بالمسوق إلى أن يصل المستهلك. 

هلا مراد، رئيسة جمعية دبين للتنمية البيئية، تقول إن أي مصدر من مصادر الحرق يؤثر على البيئة، وأن الجفت لا يقل سوءا عن أي وسيلة أخرى للتدفئة.

وتوضّح أن مشكلة المخلفات الناتجة عن عصر الزيتون هي مشكلة معاصرة موسمية، "كل موسم بين شهري تشرين الثاني وكانون الثاني نعاني من مشكلة التخلص من مخلفات الزيتون". 

وتشير إلى أن بعض خبراء البيئة يجدون تحويل مخلفات الزيتون وسيلة للتدفئة هي الطريقة الأنسب للتخلص منها، "إذا لم تستخدم للتدفئة، سيجري التخلص منها بإلقائها في مكبات النفايات ذات السعة المحدودة، وهذه مشكلة جديدة". 

وتشدد على ضرورة أن يكون هناك مركز وطني أو مصنع، يتولى مهمة جمع مخلفات الزيتون من جميع محافظات المملكة، ومعالجة الجفت بطريقة معينة تخفف من الأضرار الناتجة عن الحرق، وإعادة تدويره أو استخدامه كسماد عضوي، وتنقية "مياه الزيبار" قبل إرسالها إلى الوديان والصرف الصحي.

ومياه الزيبار هي مياه لونها أسود تنتج عن عملية غسل وعصر الزيتون تحتوي على تراكيب الفينولات الخطرة والسامة، التي تحدث أضرارا بيئية واجتماعية واقتصادية، وتؤدي إلى تلوث المياه الجوفية.

وتشير إلى أن المركز الوطني أو المصنع إذا تم استحداثه، سيوفر فرص عمل جيدّة لكثير من الأشخاص، ويساهم في حل مشكلة موسمية كبيرة. 

وتؤكد أن هذه المشاريع تصنف ضمن مشاريع "الاقتصاد الدائري"، التي يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها واستخدامها من جديد.

يعرف "الاقتصاد الدائري" بأنه "نموذج اقتصادي يستهدف تقليل المهدور من المواد والسلع والطاقة والاستفادة منها قدر الإمكان، بحيث يتم خفض الاستهلاك والنفايات والانبعاثات.
 
ويمكّن الاقتصاد الدائري من الاستفادة قدر الإمكان من جميع المواد الخام والموارد بأشكالها المختلفة، وإطلاق عمليات إعادة التدوير والاستخدام والتصنيع التي من شأنها توفير فرص عمل، بدلاً عن أنماط الهدر وإلقاء النفايات والمخالفات.