الرئيسية > "أوبر عليا"... كابتن متنقل على "كرسي متحرك"

"أوبر عليا"... كابتن متنقل على "كرسي متحرك"

الاحد, 28 شباط 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
المرصد العمّالي الأردني- نديم عبد الصمد 

تقود عليا (31 عاما) سيارتها في شوارع محافظة الزرقاء بحثا عن ركاب تنقلهم من مكان إلى آخر، بصفتها "أوبر علوش"، كما يلقبها الركاب الذين تقلهم من مكان إلى آخر. 

"أوبر علوش"، هو وصف لعليا التي لا تملك ثمن سيارة "موديل سنتها" لتصبح كابتن مرخص لدى أحد الشركات الخاصة بالنقل، وإنما لقب اخترعه صديقاتها اللواتي شجعنها لتعمل "سائقة".  

تروي عليا قصتها وهي متربعة على كرسي السيارة، التي لا تستخدم فيها دواسات البنزين أو "البريك" المعتادة، وإنما يديها. 

عام 1992 أخبر الأطباء والدي عليا أنها بحاجة إلى عملية تصحيح نخاع شوكي، لكن تراكم إهمال حالتها على مدى سنوات عشر من عمرها جعلها تفقد القدرة على الحركة مثل باقي زميلاتها في الصف، لتنضم إلى الأشخاص ذوي الإعاقة. 

قبل عام من بدء "المعاناة"، مع الظروف البيئية والاجتماعية المحيطة، كانت عليا تركض وتنط وتنتقل من ساحة إلى أخرى، "وأنا وصغيرة كنت أتحرك كثير، لكن عندما فقدت القدرة على الحركة صدمت بالعديد من العوائق في البيئة المحيطة لي (الأسرة والمجتمع)". 

كانت البنية التحتية للمدرسة التي تتعلم فيها عليا ضعيفة، وغير قادرة على استيعاب رغبات عليا وطموحها في اللعب مع صديقاتها في حصة الرياضة، أو على الأقل أن تكتسب مهارة "تكنولوجيّة" جديدة على أجهزة الحاسوب في المختبر المدرسي الذي ينخفض طابقين عن صفها، ويحتاج الوصول له إما مصعد وإما مساعدة دائمة من قبل أحدهم، وذلك لم يكن متوفراً. 

أنهت عليا المرحلة المدرسية بمعدل أكاديمي مقبول، "في كثير أشياء ما كنت بقدر أعملها، لأنه مش متوفر لي الإمكانيات". الأمر الذي قادها إلى خلاف مع والدها الذي يحصل على راتب شهري يقدّر بـ250 ديناراً من عمله في أحد الشركات، وجعله يرفض متابعة تعليمها الجامعي. 

 "لولا الضغط عليه كان عنجد بده يخليني ما أكمل تعليمي، تخيل، يعني فوق ما أنا مقعدة بصير كأني ما الي داعي بالحياة كلها"، بعدها أصرت عليا أن تكمل مسيرتها التعليمية، "دخلت جامعة وتخرجت بعد أربع سنوات بتخصص التسويق". 

فقدت عليا الأمل بالحصول على فرصة في سوق العمل الذي ما انفك يلفظها خارج أسواره. 
"كل مكان بروح أقدّم عليه، ما بقدر أوصل لمكتب الإدارة أساسا، لأنه التدابير التيسيرية التي توفرها المؤسسات للأشخاص ذوي الإعاقة تكاد تكون معدومة في معظم الأماكن".  

في المرة الأخيرة وبعدما نفذ صبرها، وجدت أحد مكاتب تعليم قيادة السيارات "طابق أرضي" مناسب لكرسيها المتحرك، والفرصة المتاحة فيه تناسب طاقتها على العمل، "آه بشتغل سكرتيرة عادي، حتى لو بعيد عن مجال تخصصي".  

خابت توقعات عليا، فإدارة مكتب تعليم قيادة السيارات تبحث عن موظفة بمهارات أخرى، "بدهم وحدة تعمل شاي وقهوة وتكنس وتشطف الأرضية الصبح"، وهو ما لا تقوى عليا على فعله، "الكرسي بقيّد حركتي بشكل كبير والناس مش قادرة تفهم هذا الشي". 

رفضت عليا الخروج مهزومة من المساحة الصغيرة التي لم تحترم قدراتها، إلا أن سيارات التدريب الصفراء التي كانت تقف خارج المكتب منحتها فرصة أمل بأن تصبح مسؤولة وقادرة على "قيادة" طموحها. 

رغم ممانعة والد عليا حصولها على رخصة كونها "بنت ومعاقة"، بحسب ما كان يخبرها، حصلت عليا على رخصة القيادة سرا بمساندة ودعم من والدتها، وبعض المبالغ الضئيلة التي جمّعتها نتيجة عملها معلمة للأطفال من المنزل منذ عام 2014. 

"ظليت سنوات احرم حالي وما آكل، وأجمّع كل قرش بآخذه، جمعت الـ50 دينار اللي بيعطوني إياها التنمية، لأني من الأشخاص ذوي الإعاقة، حتى عيديات خوالي وعمامي ظبيتها". 
عام 2018 اشترت عليا سيارتها، المعفاة من الرسوم الجمركية، بـ3000 دينار وبدأت بنقل صديقاتها بمبالغ قليلة جدا، الأمر الذي جعلها تفكر جليا بامتهان القيادة، وأن تصبح "شوفيره".

بدأ سيط عليا ينتشر في الأرجاء، وبدأت تتسع دائرة علاقاتها، صديقات الصديقات، الجارات، وأصبح اسمها رسميا على هواتف صديقاتها "أوبر علوش"، "بكيّف بس حدا يقلي أني شوفيره، وبكون فخورة أني قدرت أصرف على حالي وما استسلم". 

تعمل "علوش" يوميا ما يقارب 10 ساعات تبدأها من الساعة 8 صباحا وتنهيها في الـ6 مساء، تحصل مقابلها على مبلغ يتراوح بين 20 – 30 دينار أردني، تصرف منهم 12 دينار بنزين، "وشو ما ظل من الباقي الي". 

واجهت عليا أثناء عملها السنوات الثلاث الماضية صعوبات عدة، فبالإضافة إلى ضغط والدها ومنعها من العمل كـ"شوفيره"، كان سائقي الباصات والتاكسي كثيرا ما يشتكون لإدارة السير عن عليا التي تقل الركاب بسيارتها الخاصة.  
"معهم حق، بس أنا كمان بدي أعيش، ما في شيء موفر لي بالبلد كشخص من ذوي الإعاقة، أٌقل ما فيها أقدر اصرف على حالي وما أكون عالة على أبوي". 

تضيف عليا، انه في بعض الأحيان تضطر بأن تقل رجال معها بالسيارة، "لأنهم أكثر بالشارع، وما بكون في طلبات من البنات، وبكونوا محترمين". 

لكن لا يخلو الأمر من "معاكسات" تصل إلى حد اللمس من البعض، "أنا بنت عادية جدا" تقول عليا وتؤكد أن البعض يفهمها بطريقة خاطئة فقط كونها تقود سيارة وتحمل معها ركاب، "مش متعودين أنه بنت اللي تسوق، بفكروا أني بدي منهم شي". 

رغم كل ذلك، لم تتوان عليا عن تقديم نفسها "كشفيره" في المنطقة للجميع وبدون استثناء. 
"لقمة العيش صعبة وبدها تعب" 

*تم تغيير بعض الحقائق التي لا تؤثر على سياق القصة حفاظا على خصوصية عليا