الرئيسية > العِتالة.. مهنة خطرة بلا حمايات اجتماعية

العِتالة.. مهنة خطرة بلا حمايات اجتماعية

الثلاثاء, 18 آذار 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
العِتالة.. مهنة خطرة بلا حمايات اجتماعية
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
تُعد مهنة "العِتالة" من أكثر المهن الشاقة التي تعتمد على الجهد البدني في نقل وتحميل البضائع، ويعمل العتالون في ظروف صعبة تتطلب قوة بدنية وتحملاً كبيراً.

صُنفت هذه المهنة ضمن المهن الخطرة في الأردن، وفق نظام المنافع التأمينية الصادر بموجب قانون الضمان الاجتماعي؛ نظراً لطبيعتها المُرهِقة وتأثيرها السلبي على صحة العاملين. 

ورغم تصنيفها مهنة خطرة، فإن غالبية العاملين لا يتمتعون بالحمايات الاجتماعية، مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ولا يحصلون على تعويض إصابات العمل حال تعرضهم لها، إضافة إلى أن عملهم يخلو من الاستقرار الوظيفي. 

ويؤكد عاملون بمهنة العِتالة لـ"المرصد العمّالي الأردني" أنهم يواجهون تحديات متعددة، منها؛ الأجور المتدنية والتي يغلب عليها طابع الأجر اليومي، وغياب الضمان الاجتماعي، وعدم الاستقرار الوظيفي، فضلاً عن غياب التأمين الصحي ومعدات السلامة والصحة المهنيّة التي ربما تخفف من تبعات إصابات العمل.

إصابة بلا تأمين وتعويض 
يعمل محمود (39 عاماً) عتّالاً مهاجراً في تحميل وتنزيل الأثاث منذ سنوات، ولم يكن يُدرك أن يوم عمله المعتاد سينتهي بإصابة على غفلة ستكبّده خسائر مالية كبيرة دون أن يجد أي جهة تدعمه. 

يروي محمود لـ"المرصد العمّالي الأردني" تفاصيل تعرضه لإصابة أثناء نقله أجهزة كهربائية إلى منزل في الطابق الثاني، حيث فقَد توازنه وسقطت عليه ثلاجة، ما تسبب في كسر قدمه اليسرى وإصابته بخدوش في يديه.

ورغم حاجة محمود للعلاج الفوري، رفض صاحب العمل تحمّل أي جزء من العلاج، فلم يكن مشمولاً بالضمان الاجتماعي أو لديه تأميناً صحياً، ما اضطره لتحمل كلف العلاج على نفقته الخاصة والتي جاوزت الـ150 ديناراً.

يؤكد محمود أن إصابات العمل تتكرر مع كثير من زملائه، ويجب أن يكون هناك تدخل حكومي عاجل يضمن حقوق العمّال في هذه المهنة الذين يتحملون مشقة العمل دون أي نوع من الحماية الحقيقية.

ويقول إنه يعمل منذ سنوات في هذه المهنة ويتحمل مخاطرها يومياً، لكن عندما تعرض لإصابة لم يجد من يساعده، ويضطر إلى الاستدانة لتغطية كلف العلاج، بيد أن الأجر الذي يتقاضاه لا يُجاوز 10 دنانيراً يومياً.

ويطالب محمود إلزام أصحاب العمل بتسجيل العتالين في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وإجبارهم على تحمّل تكاليف علاج إصابات العمل، وإقرار حد أدنى للأجور يتناسب والمخاطر التي تواجههم.

طفل يبحث عن عمل خطر
أما الطفل محمد (16 عاماً) يعمل في تحميل وتنزيل ونقل المواد الغذائية والأثاث المنزلي، يروي في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" تفاصيل عمله الشاق، وهو يعمل من أربع إلى ثماني ساعات يومياً دون راحة كافية. 

يقول محمد إنه يعمل بظروف قاسية دون أي وسائل حماية، فعلى سبيل المثال ينقل البضائع أحياناً في أماكن مرتفعة وغير آمنة، ما يزيد من خطورة عمله ويشعره بإرهاق جسدي.

ويشير إلى أنه يتقاضى أجراً يومياً يتراوح بين خمسة إلى 10 دنانير فقط رغم الجهد الكبير المبذول، وهو ما يراه غير متناسب مع حجم العمل والمخاطر التي يواجهها.

وعلى الرغم من تصنيف المهنة بالخطرة، فإنها تُعد من المهن التي ينتشر فيها عمل الأطفال، وبعضهم يعمل منذ سن الحادية عشرة، وفي ظروف قاسية وبأجور زهيدة؛ ما يُعرّضهم لمشكلات صحية دائمة تؤثر على نموهم ومستقبلهم وحقوقهم كأطفال.

فيما المادة 74 من  قانون العمل الأردني تمنع تشغيل الحدث الذي لم يُكمل الثامنة عشر من عمره في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، والمادة 75 تحظر تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد على أن يعطى فترة للراحة ساعة بعد عمل أربع ساعات متصلة.

ويُعد الأردن من أوائل الدول التي صادقت على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، منها اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيتا العمل الدوليتان رقم 138 بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" ورقم 182 بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال".

بيد أن تشغيل الأطفال في مهنة العِتالة انتهاكاً واضحاً للاتفاقية رقم 138 والاتفاقية رقم 182 والمادتين 74 و75 من قانون العمل الأردني، فيما تؤكد شهادات بعض العاملين بالمهنة أن الأطفال يعملون في ظروف قاسية ومجبرين على ذلك العمل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لأسرهم.

أجر قليل بلا تأمينات 
أما خضر (45 عاماً)، فهو الآخر يعمل عتّالاً في تحميل وتنزيل الأثاث منذ سنوات وليس لديه وقت محدد للعمل، فعمله غير ثابت ويعتمد على الحاجة اليومية لطالبي خدمة التحميل والتنزيل، وأحياناً يتواصل معه أصحاب عمل مختلفين يعرفونه ويثقون بعمله. 

يقول خضر إنه يعمل بمعدل ثماني ساعات في اليوم، دون راحة كافية. ورغم طبيعة عمله الشاقة، فإنه لا يحصل على معدات تساعده في حمل الأثاث أو تقيه من الإصابات، وربما بعض المباني اللاتي يتوفر فيها المصاعد تخفف عنه صعوبة نقل الأثاث، لكنه في كثير من الأحيان يضطر إلى حمل الأوزان الثقيلة يدوياً عبر السلالم.

يوضح خضر في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" أنه على الرغم من طبيعة العمل المجهدة، فإنه لا يحصل على أجر كافٍ، ويتقاضى أجراً مقداره ثمانية دنانير بدل كل يوم عمل، "الأجر قليل لا يتناسب مع الجهد المبذول، لكنه خياري الوحيد لأنني مضطر للعمل لتأمين احتياجات أسرتي".

ويلفت إلى أنه يعمل في ظروف جوية قاسية، سواء في الحر الشديد أو البرد القارس دون أي وسائل حماية، فضلاً عن عدم تمتعه بالضمان الاجتماعي، ولا يحصل على أي نوع من الإجازات مدفوعة الأجر.

تُعد مهنة العِتالة أساسية للعديد من القطاعات، مثل النقل واللوجستيات، والتجزئة، والبناء، والأسواق، والموانئ، وغيرها، ورغم ذلك فإن العاملين فيها يعانون ظروف عمل صعبة.

اتحاد العمال: لا يوجد أرقام ودراسات عن هذه المهنة
من جهته، يقول نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن خال أبو مرجوب إنه على الرغم من أهمية هذه المهنة، فإنه لا توجد إحصائيات رسمية حول أعداد العاملين فيها، ولم تَجرِ حتى الآن دراسات معمقة لتحديد أعدادهم أو التحديات التي تواجه العاملين في هذه المهنة. 

ويلفت أبو مرجوب في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" أن العامل في مهنة التحميل والتنزيل هو الشخص المسؤول عن نقل البضائع والممتلكات من مكان إلى آخر، سواء داخل المباني أو بين مواقع مختلفة. 

ويوضح أن الذين ينقلون البضائع من المحلات إلى تجار التجزئة باستخدام العربات غالبيتهم عاملون محليون، فيما الذين ينقلون البضائع من سيارات المزارعين إلى المحلات في الأسواق المركزية غالبيتهم عاملون مهاجرون، فضلاً عن أن هناك أطفالاً كُثر يعملون في هذه المهنة.

ويؤكد أن مهنة العتالة تواجه تحديات عديدة، أبرزها الأجور المتدنية، وغياب الحمايات الاجتماعية، وكثرة عمل الأطفال فيها، وطبيعة العمل غير المنتظمة والتي تتطلب أحياناً العمل في ظروف جوية قاسية وحمل أوزان ثقيلة بوضعيات غير مريحة، ما يؤدي إلى مشكلات صحية طويلة الأمد.

ويرَ أبو مرجوب أن تصنيف العتالة ضمن المهن الخطرة من قبل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي هو الإنجاز الوحيد لحماية العاملين فيها، في ظل استمرار غياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ما يجعلهم عرضة لانتهاكات عمّالية متعددة.

فيما يشير إلى أن هناك مطالب سابقة بتحسين ظروف العاملين في هذه المهنة، لكنها لم تُؤخذ بالاعتبار حتى الآن، ومن بين تلك المطالب إيجاد مظلة اجتماعية تحميهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها، وتضمن لهم الأمان الوظيفي وتحسّن ظروفهم المعيشية.

ويدعو أبو مرجوب إلى تعاون النقابات العمّالية لإجراء دراسة مشتركة حول أوضاع العتالين، وتحديد آليات لحمايتهم، والعمل على تصنيفهم ضمن مظلة نقابية واحدة توفر لهم الحماية القانونية والاجتماعية اللازمة.

رغم تصنيفها بالـ"خطرة"، المهنة بلا حمايات
قانون الضمان الاجتماعي يُعرّف "المهن الخطرة" على أنها المهن التي تؤدي إلى الإضرار بصحة أو حياة العامل نتيجة التعرض لعوامل أو ظروف خطرة في بيئة العمل، حتى مع تطبيق معايير السلامة والصحة المهنيّة. 

ورغم تصنيف العتالة كمهنة خطرة، فإن غالبية العاملين فيها غير مشمولين بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي؛ ما يعني أنهم لا يحصلون على أي نوع من الإجازات ولا يستفيدون من تعويض إصابات العمل، كما أنهم لا يحصلون على فرصة التقاعد المبكر التي يمنحها قانون الضمان الاجتماعي للعاملين في المهن الخطرة عند بلوغ سن 45، بشرط الاشتراك لمدة 18 سنة للذكور و15 سنة للإناث.

من جهته، يؤكد الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي، في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" أنه رغم تصنيف المهنة كخطرة، فإن معظم العاملين في العتالة غير مسجلين في الضمان الاجتماعي ضمن هذا التصنيف، ما يحرمهم من حق التقاعد المبكر والمزايا التأمينية الأخرى. 

ويشير إلى أن مهنة العِتالة أُدرجت ضمن قائمة المهن الخطرة في نظام المنافع التأمينية، لما تتطلبه من قوة بدنية وتحمل عالٍ، وطبيعتها غير المنتظمة التي تفرض على العاملين العمل في مختلف الظروف الجوية، وحمل أوزان ثقيلة بشكل متكرر وبأوضاع جسدية غير مريحة.

ويُحمّل الصبيحي مسؤولية ذلك لأصحاب العمل الذين لا يلتزمون بتسجيل العتالين كعاملين في مهنة خطرة، رغم أن القانون يفرض على المنشآت دفع نسبة 1 بالمئة إضافية من أجر العامل كمساهمة في اشتراكه عن العمل في هذه المهنة.

ويطالب الصبيحي بضرورة تنفيذ حملات توعوية للعمّال وأصحاب العمل حول أهمية تسجيل العتالين في الضمان الاجتماعي وضمن المهن الخطرة، وتكثيف الحملات التفتيشية لضمان التزام المنشآت بتطبيق القانون.