المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
في خضم الحديث عن التطور الوظيفي والمساواة، يتعرض العديد من ذوي الإعاقة البصرية (المكفوفين) الموظفين في بعض الجامعات الحكومية للتمييز ضدهم، فبينما يتسلق زملاؤهم سلم الترقيات، يجدون أنفسهم عالقين في مكان واحد رغم كفاءاتهم واسهاماتهم المميزة.
ويشتكي عدد من المكفوفين العاملين في بعض الجامعات الحكومية إلى "المرصد العمّالي الأردني" تعرضهم للتمييز بسبب إعاقتهم، إلى جانب تعرضهم لانتهاكات عمّالية، منها: عدم ترقيتهم، واعتقاد الإدارات بأنهم لا يتمتعون بالكفاءة رغم تقييماتهم الممتازة.
هؤلاء الموظفون يعملون في مستويات وظيفية أقل مما يستحقون، ويُحرمون من أن يكونوا أعضاء بهيئات التدريس، ويبقون بذات المسميات الوظيفية التي تعينوا عليها رغم عملهم لسنوات طويلة. والتمييز الذي يتعرضون له يمنعهم من التقدم والتطور الوظيفي وبالتالي تبقى رواتبهم بدون زيادة.
شكوى مفصلة بالتمييز
في شكوى مفصلة يتهم الدكتور محمد طوالبة، وهو باحث متفرغ في قسم الفلسفة بإحدى الجامعات الحكومية، إدارة الجامعة بممارسة التمييز والإهمال بحقه بسبب إعاقته، على الرغم من أنه يعمل في الجامعة منذ 9 سنوات، وطالب مراراً بتحويله إلى عضو هيئة تدريس، وهو حق يكفله له القانون الأردني، ولكنه قوبل بالرفض رغم استيفائه كافة الشروط.
فيما جرى تعيين الطوالبة في الجامعة عام 2016 بموجب قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنه واجه العديد من الصعوبات منذ البداية، منها عدم توفير مكتب مناسب لإعاقته وعدم الحصول على حاسوب عمل وتأخر الترقية.
يقول في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن الجامعة تنتهك قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي يكفل حقه في الحصول على تسهيلات تساعده على أداء عمله، ورغم وجود مدونة سلوك تنص على ذلك، إلا أنها لا تطبق على أرض الواقع، فيما تمكن من نشر العديد من الأبحاث وهو ما يثبت كفاءته العلمية وقدرته على أداء مهامه.
وعلى الرغم من توصيات قسم الفلسفة ومجلس الكلية بترقيته وتحويله إلى عضو هيئة تدريس، إلا أن مجلس العمداء رفض هذه الطلبات بشكل متكرر، فيما زملاء آخرين له جرى تعيينهم في ظروف مشابهة وتحويلهم إلى أعضاء هيئة تدريس، مما زاد من شعوره بالظلم والتمييز.
ويلفت الطوالبة إلى أنه لا يوجد تعاون من قبل الجامعة بتوفير التجهيزات اللازمة لممارسة العمل بشكل طبيعي، وطيلة عمله الممتدة إلى 9 سنوات لم يستطع الحصول على حاسوب في مكتبه.
بعد شكوى.. قل التمييز
في قصة تبرز الإصرار والعزيمة بمواجهة التحديات، تعيش الدكتورة داليا حسين الأستاذة الجامعية بكلية الفنون بإحدى الجامعات الحكومية تجربة فريدة وملهمة، فرغم إعاقتها البصرية التي رافقتها منذ طفولتها، إلا أنها تمكنت من تحقيق إنجازات علمية متميزة وحصلت على منحة دراسية كأولى الطلبة لتثبت أن الإعاقة لا تحد من طموح العقل.
بدأت معاناتها منذ مقاعد الدراسة، فواجهت العديد من الصعوبات التي فرضتها إعاقتها، إلا أنها تمكنت من تخطيها لإيمانها بقدراتها. وبعد حصولها على الدكتوراه، انتقلت إلى تحديات جديدة في بيئة العمل الجامعية، حيث وجدت أن البنية التحتية غير مهيئة لاستقبال ذوات الإعاقات، ما اضطرها لتوفير احتياجاتها الخاصة على نفقتها.
تقول حسين في حديثها لـ"المرصد العمّالي الأردني": "أشعر بالتمييز في بيئة العمل، فرغم كفاءتي العلمية وخبرتي الطويلة، أواجه صعوبات في توفير الدعم اللازم لي، مثل توفير شخص لمساعدتي في تشغيل الأجهزة أو قراءة الملاحظات، وبعض الزملاء يحاولون عرقلة ترقياتي ويمنعونني من المشاركة في اللجان التي تؤهلني للترقية، وهذا يؤثر بشكل مباشر على مسيرتي المهنية".
وتؤكد حسين أن هناك العديد من الزملاء الأكفاء من ذوي الإعاقة البصرية يعانون ويتعرضون للتمييز بطرق مختلفة، مثل حرمانهم من تدريس المواد التي يتقنونها، أو تعيينهم بمراتب أقل من مؤهلاتهم أو حتى يبقون متعطلون عن العمل.
وتكشف بأنها تقدمت بشكوى رسمية إلى نائب رئيس الجامعة بشأن التمييز الذي تتعرض له بسبب إعاقتها البصرية وأبدى تعاونا مبدئيا وحاول اتخاذ بعض الإجراءات لوقف الممارسات التمييزية التي تتعرض لها، إلا أن هذه الإجراءات لم تتعدى مرحلة المحاولات غير الرسمية، وتشعر بأن التمييز ضدها لا يزال مستمرا وإن كان بشكل أقل حدة مما كان عليه في السابق.
وتطالب حسين بأن تكون بيئة العمل عادلة ومتساوية لجميع الأكاديميين، بغض النظر عن إعاقاتهم، وتوفير الدعم اللازم لتمكينهم من أداء مهامهم بفعالية.
فرص العمل أقل من المؤهلات
بدورها، تؤكد مديرة وحدة تكافؤ الفرص في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ريزان الكردي أن أماكن وفرص العمل المتوفرة لا تتناسب مع المؤهلات العلمية والمهارات التي يمتلكها الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وهناك صورة نمطية من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص والإدارات في القطاع الحكومي تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة ولا تزال النظرة رعائية وينظر لهم بأنهم أشخاص ليس لديهم القدرة على العمل.
وتوضح في حديثها إلى "المرصد العمّالي الأردني" أن هناك تصور من قبل الجهات الحكومية والخاصة بأنه في حال تعيين أشخاص من ذوي الإعاقة البصرية سيكون تكلفة ذلك مرتفعة من حيث توفير أدوات مثل برنامج ناطق أو توفير المرافق الشخصية وتوفير متطلبات إمكانية الوصول من وإلى مكان العمل.
وتشير إلى أن المجلس يعمل على تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عدة جوانب منها التمكين الاقتصادي والعمل بما فيهم ذوي الإعاقة البصرية ومنها متابعة واقع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتلقي الشكاوى المتعلقة بالتمييز على أساس أو بسبب الإعاقة في مجال العمل.
فيما، تلفت إلى أنه بحسب التعداد السكاني لعام 2015 فإن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية ممن هم 5 سنوات فأكثر بلغ 349048 شخصاً. فيما ليس لديهم أرقاما حول عدد العاملين من ذوي الإعاقة البصرية.
مرجعهم لتقديم الشكاوى
من جانبه، يقول الخبير في قضايا العمل والعمّال حمادة أبو نجمة لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه يحق للموظفين في الجامعات الحكومية من ذوي الإعاقة البصرية الذين تعرضوا إلى تمييز ضدهم، التظلم إلى القضاء وتقديم شكاوى تفيد بتعرضهم إلى التمييز.
ويوضح أن المرجعية الرئيسية للعاملين في الجامعات كل من وزارة التعليم العالي وأن قانون الجامعات هو ما يطبق عليهم، ولا بد بأن كل جامعة لها أنظمتها الخاصة التي من خلالها تحمي حقوق العاملين بما فيهم ذوو الإعاقة البصرية.
ويلفت أبو نجمة إلى أن الاتفاقيات الدولية هي التي تعلو على القوانين، وأن كل من الاتفاقية 110 والاتفاقية 111 تنصان على المساواة وعدم التمييز ويجب الرجوع إليهما لضمان عدم تعرض الموظفين إلى التمييز ضدهم.
فيما، يؤكد تقرير أصدره "المرصد العمّالي الأردني" في تموز الماضي، أنه على الرغم من أن الإطار التشريعي المتعلق بحماية العاملين من الأشخاص ذوي الإعاقة يُلزم الجهات المُشغلة بتوظيفهم وضمان عدم تعرضهم للتمييز بسبب إعاقتهم، فإنهم قد يتعرضون لانتهاكات عمّالية ومخالفات وتمييزا ضدهم.
التقرير الذي جاء بعنوان "هل يتمتع العاملون من ذوي الإعاقة بحقوقهم العمّالية؟" يوضح أن العاملين من الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاعين العام والخاص يواجهون تحديات عديدة ويتعرضون للتمييز ضدهم، والبعض منهم لا يعرف كيف يقدم شكاوى، فيما يرفض بعض أصحاب العمل تشغيل طالبي الوظائف من ذوي الإعاقة، لاعتقادهم بأنهم غير قادرين على العمل بكفاءة.