المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت
على الرغم من أن معظم الاعتصامات أو الإضرابات التي يُنفذها العاملون أكانوا في القطاع العام أو الخاص، لتحسين ظروف عملهم لا تؤتي ثمارها دائما، إلا أنها تظل آخر وسائل الرأي والتعبير للعمال والملاذ الأخير لهم لتحقيق مطالبهم.
وقد كفل الدستور الأردني في المادة (15) حرية الرأي، وأن لكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.
كما كفل الدستور للأردنيين في المادة (16) حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تُخالف أحكام الدستور.
إلا أن هذه الحرية أصبحت تتلاشى شيئاً فشيئاً من بين أيدي العاملين المُطالبين بحقوقهم المهضومة، وتم انتشال ثمار الاعتصامات والإضرابات من جذورها، لتصبح ممارستها مقيدة.
فتوى قانونية تحظر الإضرابات والاعتصامات بالقطاع العام
في تموز الماضي، أصدر ديوان الرأي والتشريع فتوى قانونية بخصوص استفسار ورد إليه من وزارة الصحة حول تلويح عدد من الكوادر الصحية العاملة في الوزارة بتنفيذ اعتصام أو إضراب عن العمل.
واستندت الفتوى التي تلقى "المرصد العمالي الأردني" نسخة منها، على الفقرة (ج) من المادة (69) من نظام الخدمة المدنية التي تحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية القيام أو الاشتراك في أي مظاهرة أو إضراب أو اعتصام أو التحريض عليها.
وأكدت الفتوى أن دعوة الموظف العام أو مشاركته في الإضراب تستوجب الملاحقة القانونية والتأديبية سندا للمادة (142) من نظام الخدمة المدنية وإمكانية إيقاع أي عقوبة تأديبية بحق الموظف تبدأ من التنبيه والإنذار والحسم من الراتب وحجب الزيادة السنوية من سنة إلى خمس سنوات وتصل العقوبة إلى الاستغناء عن خدمات الموظف وصولا لأشد عقوبة وهي العزل.
وعممت وزارة الصحة حينها مضمون الفتوى على مختلف المديريات والدوائر والمستشفيات والمراكز الصحية التابعة لها، وطلبت منهم الالتزام بتطبيقها تحت طائلة المساءلة القانونية.
هل الفتوى مخالفة للدستور الأردني؟.. خبراء يُجيبون
النائب صالح العرموطي يرى أن هذه الفتوى أو المادة مخالفة لأحكام المادتين (15) و(17) من الدستور الأردني.
وتنص المادة (17) على أنه للأردنيين الحق فـي مخاطبة السلطات العامة فـيما ينوبهم من أمور شخصية أو فـيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفـية والشروط التي يعينها القانون.
ويقول العرموطي، في تصريح إلى "المرصد العمالي"، إن أحكام الدستور مُطلقة على جميع الأردنيين، ويجب أن تنسجم كل القوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات مع أحكام الدستور.
ويبين أن أي موظف، أكان منتسب لنقابة أو غير منتسب، لم يأخذ حقوقه العمّالية المنصوصة في التشريعات ذات العلاقة، يحق له التعبير عن رأيه بالصورة التي يراها مناسبة، وأوضح أن حدود القانون يجب أن تنسجم مع أحكام الدستور لا أن تتعارض معه.
ويؤكد العرموطي أن مواد نظام الخدمة المدنية التي تحظر على الموظف تنفيذ أي إجراء احتجاجي تخضع للرقابة القضائية، بمعنى أنه يحق للموظف الطعن فيها لدى المحكمة الإدارية.
أما المحامي معاذ المومني، فيقول إن الدستور الأردني لم ينص صراحة على الحق في الإضراب أو الاعتصام، إلا أن السياق العام في البند الأول من المادة (16) من الدستور التي تُعطي حق الاجتماع للأردنيين ضمن حدود القانون، إضافة إلى الفصل الثاني منه لا يمكن قراءته بمعزل عن باقي الحقوق والحريات وتحديدا المادة (128) من الدستور.
إذ ينص البند الأول من المادة (128) من الدستور على أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".
ويبين المومني لـ"المرصد العمالي" أن هناك بعض المعايير الدولية تُتيح فرض بعض القيود على حقوق الإنسان ومن ضمنها الحق في الإضراب أو الاعتصام، وذلك في حالات معينة مثل حالات الطوارئ أو بحسب نوعية وطبيعة القطاع الذي سيُنفذ في الإجراء الاحتجاجي.
ويوضح المومني أن الإضرابات أو الاعتصامات في القطاعات التي تُقدم خدمات للمواطنين يجب أن تكون مدروسة قبل تنفيذها، بحيث لا تُعيق أو توقف تقديم الخدمات للمواطنين.
ولا يُنكر المومني أن هناك تمييزا واقعاً بين موظفي القطاع العام والخاص في الأردن بما يتعلق بالاعتصامات والإضرابات والتلويح بها، إذ أن قانون العمل الأردني يسمح للعمال في القطاع الخاص بتنفيذها وفق شروط معينة، في حين أن نظام الخدمة المدنية يحظر تلك الممارسات.
المعايير الدولية التي تكفل حق التجمع السلمي
تعتبر حرية الرأي والتعبير حجر الزاوية للعديد من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعتبر الحق في التجمع السلمي بالاعتصام والتظاهر والإضراب عن العمل في مقدمة هذه الحقوق.
وتُشكل حرية التجمع السلمي حقاً من حقوق الإنسان الأساسية، إذ قررها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، كما أكد عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت المادة (21) منه على أن "يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تُفرض طبقا للقانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
والمقصود في "التجمع السلمي" هو قدرة المواطنين على الالتقاء بشكل جماعي بعقد الاجتماعات العامة أو المؤتمرات أو المسيرات أو الاعتصامات السلمية، وبغض النظر عن الجهة المنظمة، ليتبادلوا الرأي ويبلوروا مواقفهم تجاه قضية معينة، ويُمارسوا الضغط على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم وتحقيق مطالبهم.
وعلى الرغم من أن حرية التجمع السلمي في المعايير الدولية لم تكن مُطلقة، إلا أن القيود الواردة فيها يجب أن تكون في أضيق الحدود، لضبط ممارسة الأفراد لها وللحيلولة دون استغلالها بشكل مغاير للغاية والأهداف التي أُقرّت من أجلها.
أما بخصوص الإضراب عن العمل، فهو حق مكفول في الشرعة الدولية ومن خلال العديد من المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية، إذ تحدث العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية صراحة في مادته الثامنة عن الحق في الإضراب شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني.
كما كفلت الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية مثل الاتفاقية (87) و(98) و(135) و(150) و(154) حق العمال في حرية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية وحظرت على الحكومات التدخل في الأنشطة والقرارات النقابية التي تُقررها هذه النقابات بشكل حر ومن ضمنها قرارات الإضرابات العمالية.