المرصد العمّالي الأردني – رزان المومني
صدر في عدد الجريدة الرسمية بتاريخ 16 تشرين أول الحالي، تعليمات تصنيف درجة خطورة النشاط الاقتصادي لسنة 2023، بمقتضى نظام العناية الطبية الوقائية والعلاجية للعمّال في المؤسسات ونظام تشكيل لجان السلامة والصحة المهنية وتعيين المشرفين في المؤسسات.
ووفق التعليمات، فإن درجة خطورة النشاط الاقتصادي تصنف إلى نشاط أكثر خطورة وأقل خطورة لمدة خمس سنوات وفقا لأسس ومعايير معينة، مع إعطاء وزير العمل الصلاحية بتشكيل لجنة فنية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لدراسة وتعديل أسس ومعايير تصنيف درجة الخطورة للنشاط الاقتصادي كل خمس سنوات.
وتتضمن الأسس والمعايير معدلات إصابات العمل لكل نشاط اقتصادي مقارنة بمتوسط معدلات إصابات العمل لجميع الأنشطة الاقتصادية، ومعدلات شدة إصابات العمل لجميع الأنشطة الاقتصادية، ومعدلات الوفيات الإصابية لكل نشاط اقتصادي مقارنة مع متوسط معدل الوفيات الإصابية لجميع الأنشطة الاقتصادية الخاضعة لأحكام القانون.
وتصنف الأنشطة الاقتصادية الأكثر خطورة، وفق التعليمات، بالزراعة والحراجة وصيد الأسماك والتعدين واستغلال المحاجر والصناعة التحويلية وإمدادات الكهرباء والغاز والبخار وتكييف الهواء وإمدادات المياه وأنشطة الصرف الصحي وادارة النفايات ومعالجتها والتشييد والنقل والتخزين وأنشطة خدمات الإقامة والطعام وأنشطة صحة الإنسان والعمل الاجتماعي.
في حين تصنف الأنشطة الاقتصادية الأقل خطورة بتجارة الجملة والمفرّق (التجزئة) وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية والمعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى الأنشطة المالية والتأمينية والعقارية والمهنية والعلمية والتقنية والخدمات الإدارية والدعم والتعليم.
ولا تسري أحكام التعليمات على الأنشطة الاقتصادية في كل من الإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي الإلزامي وأنشطة الأسر المعيشية التي تستخدم أفراداً، وأنشطة الأسر المعيشية في إنتاج سلع وخدمات مميزة لاستعمالها الخاص، وأنشطة المنظمات والهيئات غير الخاضعة للولاية القضائية الوطنية.
وفي حديثهم إلى "المرصد العمّالي الأردني"، يرى خبراء ومتخصصون في مجال السلامة والصحة المهنية، أنّ هذه التعليمات "قاصرة.. ولا تتضمن تعريفا للنشاطات الاقتصادية" ويؤكدون الحاجة إلى إضافة تصنيف ثالث إلى تصنيفات درجة الخطورة وهو "متوسط الخطورة".
كما يرون أن الأسس والمعايير الواردة في التعليمات يجب أن تكون "تفصيلية" وتحتوي على "معايير" متعلقة بالأمراض المهنية، إضافة إلى أن "بعض النشاطات الاقتصادية جرى تصنيفها في غير موضعها وبعضها غير واضح ويحتاج إلى توضيح".
تعليمات قاصرة وغير واضحة
يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي إن التعليمات "قاصرة ولا تتضمن تعريفات للنشاطات الاقتصادية الأكثر خطورة والأقل خطورة". ويعتقد أن "تصنيف النشاطات الاقتصادية لا يتم بهذه الطريقة".
ويبين الصبيحي لـ"المرصد العمالي" أنه "يجب أن يكون هناك ثلاث تصنيفات؛ وهي النشاطات الاقتصادية شديدة الخطورة ومتوسطة الخطورة وقليلة الخطورة، إلى جانب وضع تعريفات للتصنيفات الثلاث".
ويلفت إلى أن الأسس والمعايير الموضوعة لتصنيف درجة خطورة النشاط الاقتصادي غير واضحة وفيها لُبس كبير ويجب أن تكون تفصيلية وأكثر دقة، في حين لم تتطرق إلى الأمراض المهنية، فبعض المهن تقِل فيها قدرة وكفاءة العامل بعد سنوات طويلة مثل قطاع الانشاءات.
وينبّه الصبيحي إلى أن القطاعات في النشاطات الاقتصادية التي لا تسري عليها أحكام التعليمات الواردة "غير مفهومة وليس لها تصنيفات"، مثل الضمان الاجتماعي الإلزامي، فهو يشكّل كل النشاطات الاقتصادية وليس قطاعا محددا.
ويتساءل الصبيحي عن تصنيف النشاطات الاقتصادية في الإدارة العامة والدفاع وأنشطة الأسر المعيشية وأنشطة المنظمات والهيئات "كيف تم وضعها وما هي التصنيفات التي أسندت إليها؟".
كيف سيتم احتساب مدى الخطورة؟
بينما تقول مديرة السلامة والصحة المهنية في شركة خاصة ريما الشوبكي في حديثها إلى "المرصد العمّالي" إن الأسس والمعايير المتضمنة في التعليمات جميعها تحتاج بيانات تُطلب من الجهة المسؤولة، التي يفترض أن تكون مؤسسة الضمان الاجتماعي بحكم مسؤوليتها عن إصابات العمل، إضافة إلى جهة أخرى تحدد مستوى الخطورة لكل شركة.
ورأت أن هذا البند تحديدا يحتاج توضيحا أكثر، خصوصا وأن الشركات ليس لديها فكرة عن كيفية تحصيل المعلومة واحتساب مدى الخطورة، وهذه "أهم جزئية" في التعليمات.
وتلفت الشوبكي إلى أن التعليمات قبل صدورها أرسلتها الوزارة إلى الشركة لإبداء رأيها فيها، وتم تقييد جملة من الملاحظات، بعضها أخذت بها وبعضها تجاهلتها. وتقترح تنظيم ورشات عمل وتدريبات لتفسير وشرح هذه التعليمات للشركات، وعلى أساسها "يفهمون التعليمات وآلية تطبيقها كلاَ وفق اختصاصها".
جميع النشاطات الاقتصادية مستثناة
أما أسامة أبونوّاس مستشار ومدير السلامة والصحة المهنية في عدد من الشركات الخاصة، فيشير إلى أنه وفقا للتعليمات، فإن جميع الموظفين الذين لديهم اشتراك في الضمان الاجتماعي لا تسري عليهم أحكامها، ويتساءل، كما الصبيحي: "الأنشطة الاقتصادية في الإدارة العامة والدفاع طبيعة العمل فيها قد تكون خطرة فكيف تستثنى هذه الأنشطة من أحكام التعليمات؟".
ويدعو أبونوّاس كذلك إلى إضافة تصنيف "متوسط الخطورة"، إلى تصنيفات درجة الخطورة؛ إذ أن هناك بعض الشركات سيصعب تصنيفها إلى أكثر خطورة أو أقل خطورة، لذلك في حال جرى إضافة التصنيف الثالث فإن ذلك سيُسهّل عملية دراسة وتصنيف الشركات.
ويشير إلى أن هناك بعض الأنشطة جرى تصنيفها في غير موضعها مثل تصنيف إصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية إلى أقل خطورة، ويرى أن هذه النشاطات في بعض الأحيان تكون عالية الخطورة، وهذا ما يسبب إشكالية في التصنيف، بيد أنه إذا أضيف تصنيف متوسط الخطورة فسيعالج الخلل.
ويشدد على ضرورة مناقشة هذه التعليمات ليس فقط مع موظفي ومشرفي السلامة والصحة المهنية وإنما مع أصحاب العمل؛ لأنهم ليسوا على معرفة كافية بأهمية إجراءات السلامة والصحة المهنية وتبعاتها على الشركة والعاملين أيضاً.
السلامة والصحة ليست بالمستوى
يشير التقرير التحليلي لإصابات العمل الذي أصدرته مديرية السلامة والمهن الخطرة في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي عام (2021)، إلى أن أوضاع السلامة والصحة المهنية في المنشآت المختلفة "ليست بالمستوى المنشود". وسجلت أعلى نسبة في إصابات العمل من حيث مهنة المصاب في القطاعات الاقتصادية الخاصة، في مشغلي المصانع وعمّال التجميع ووصلت إلى 14.52 بالمئة، يليه الحرفيون بنسبة 12 بالمئة، فيما شكّلت الوفيات الإصابية في مشغلي المصانع وعمّال التجميع أعلى نسبة بـ 13.9 بالمئة وبلغ عددها 11 وفاة من إجمالي الوفيات الإصابية.
اختلالات تشريعية وتطبيقية
وكانت وزارة العمل أصدرت ثلاثة أنظمة للسلامة والصحة المهنية، ونُشِرت في الجريدة الرسمية في حزيران الماضي، وهي: نظام السلامة والصحة المهنية والوقاية من الأخطار في المؤسسات، ونظام العناية الطبية والوقائية والعلاجية للعمال في المؤسسات، ونظام تشكيل لجان السلامة والصحة المهنية وتعيين المشرفين في المؤسسات، وصدرت بمقتضى الفقرات (أ، ب، ج) من المادة (85) من قانون العمل.
وأجمع خبراء حينها خلال جلسة حوارية عقدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية لمناقشة أنظمة السلامة والصحة المهنية، على وجود اختلالات تشريعية وتطبيقية في هذه الأنظمة، خصوصا وأنّ وزارة العمل لم تُجرِ أي مشاورات وحوارات مع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمّالية والمهنية.
ولاحظوا أنّ هناك فجوات في توفير الحماية الاجتماعية للعاملين فيما يتعلق بأنظمة السلامة والصحة المهنية، وطالبوا باعتماد مبدأ التشاركية مع المؤسسات والجهات المعنية عند تشريع القوانين وإصدار الأنظمة والتعليمات.