المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
تتعرض العاملات بمراكز تعليم كبار السن ومحو الأمّية من معلمات وآذِنات إلى انتهاكات عمّالية منذ عقود؛ إذ يتقاضين أجوراً لا تصل إلى نصف الحد الأدنى المقرر، ولا تكفي أحياناً لتغطية كلف التنقل من تلك المراكز وإليها.
وتعمل هؤلاء لمدة خمسة أيام في الأسبوع ولا يحصلن على أي نوع من الإجازات، ناهيك عن أن أيام العطلات الرسمية تُخصم من أجورهن، إلى جانب عدم شمولهن بالحمايات الاجتماعية اللازمة كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
ويخلو عمل هؤلاء العاملات من معايير العمل اللائق التي تدعو منظمة العمل الدولية إلى تطبيقها ويطالب "المرصد العمّالي الأردني" بشكل مستمر بتطبيقها، مثل بيئة عمل لائقة وآمنة وأجور كافية وظروف عمل مستقرة وآمنة ووسائل نقل ميسرة وغير مكلفة، وتوفير الحمايات الاجتماعية، والحق في التنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية.
أجور وعُطل رسمية تُخصم.. ولا نقابة تدافع
تعمل تهاني منذ عام 2015 في مركز لمحو الأمية وتقوم بتعليم كبار السن، وتقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن "السؤال عن الأجر يوجعنا حقاً، فنحن نعاني من قلته، في الساعة الواحدة أحصل على دينار وستين قرشاً، يذهب نصفه بدل تنقل من وإلى المركز".
وتوضح أن اليوم الذي لا تعمل فيه، وكذلك العطلات الرسمية لا تحتسب وتقتطع من الأجر، حتى وإن كانت العطلة بتكليف من مديرية التربية لحضور تدريب يتعلق بعملها، "حضرت تدريبا خلال ساعات العمل، وكان بتكليف من مديرية التربية وتفاجأت بأنه خُصم من راتبي".
وتشير إلى أن "التربية" تشترط وجود ما بين 15 إلى 10 من الدَارِسات، وإذا قل العدد عن النصف يتم إغلاق المركز وتبقى بلا أجر وعمل، "لا يوجد جهة أو نقابة تطالب بحقوقنا، نحن مهمشات وأجرنا يعتبرونه إكرامية وليس مستحقا، وما نقدمه أكثر بكثير مما نحصل عليه".
وتطالب تهاني بتطوير المراكز وشمول العاملات بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وأن تكون نقابة المعلمين مظلة قانونية للعاملين في المراكز، ورفع الأجور لتصل الحد الأدنى المقرر في المملكة، وعدم التأخر في صرفها، "هناك أشهر يتغاضون عنها، ولا نحصل على أجرنا المستحق إلا بعد معاناة، فهذا العام لم أحصل بعد على أجر ثلاثة أشهر".
يعملن كالمعلمات ولا يحصّلن الحقوق ذاتها
تعمل (م. م) منذ عام 2004 أي ما يُقارب 19 عاماً، في أحد مراكز محو الأمية في العاصمة عمان، كانت تحصل في بداية عملها على أجرٍ دينارا وستين قرشاً على الحصة الواحدة، وتعطي حصتين في اليوم، وفي الوقت الحالي تحصل على أجر أربعة دنانير وثمانين قرشاً للحصة وتعطي ثلاث حصص في اليوم.
وتقول (م) إن ظروفها المعيشية صعبة والأجر لا يكفي نصف أجرة المنزل الذي تسكنه وابنتها، "أجرة المنزل 180 ديناراً شهرياً، زوجي قبل أن يتوفى بداية هذا العام، كان يعمل في شركة براتب 350 ديناراً، ولم يتبق من راتبه بعد وفاته سوى 190 ديناراً".
وتشير إلى أنه ليس لديها ضمان اجتماعي ولا تحصل على أي نوع من الإجازات وفي أيام العطل الرسمية تُخصم من الراتب، "من الممكن أن يخصم الراتب ولا يبقى منه سوى 16 ديناراً، ناهيك عن التأخير في تسليم الراتب بعض الأشهر".
وتوضح أن عملها لا يقصر على التدريس، بل تعد الخطط الدراسية وأوراق العمل والامتحانات، وكذلك تجهيز الصف وإدخال بيانات الدَارِسات على موقع التربية، وتعبئة الشهادات، "لا يختلف عملنا عن معلمات المدارس، لكن نحن لا نحصل على نفس الحقوق العمّالية، وهذا ظلم كبير".
وتستذكر (م) بأنها منذ سنوات اقترحت على زميلاتها تنفيذ احتجاج أمام وزارة التربية ومؤسسة الضمان الاجتماعي للمطالبة بتفعيل قرار شمول العاملين بمراكز محو الأمية بالضمان الاجتماعي الذي جاء في عام 2015، لكن "تراجعنا عن تنفيذ الاحتجاج خوفاً من تسريحنا من العمل، فجميعنا نعاني ظروفاً معيشية صعبة".
هل وزارة العمل ونقابة المعلمين مظلة قانونية؟
وعلى ضوء المطالبة بأن تكون نقابة المعلمين مظلة قانونية للعاملين بمراكز محو الأمية وكبار السن، يوضح الناطق السابق باسم نقابة المعلمين نورالدين نديم، في حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني"، أن العاملين بتلك المراكز قانونياً لا يتبعون لنقابة المعلمين، فالعاملون "ليسوا من الكوادر التعليمية وهم كمعلمي الإضافي، ولكن النقابة تطالب أدبياً بحقوق هؤلاء العاملين".
في حين، توضح وزارة العمل، لـ"المرصد العمّالي الأردني" أنه لا تداخل بينها وبين مراكز محو الأمية وتعليم كبار السن والعاملين فيها، ولا تقع هذه المراكز ضمن مسؤولية الوزارة.
"التربية" ممتنعة و"الضمان" مقصّرة
من جانبه، يقول خبير التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن العاملات في مراكز محو الأمية ما يزلن غير مشمولات بمظلة الضمان الاجتماعي بالرغم من أن قانون الضمان ينطبق عليهن حُكماً، لكن وزارة التربية والتعليم ممتنعة عن شمولهن، ومؤسسة الضمان مقصّرة تماماً في متابعة هذا الموضوع وإصدار قرارات شمولهن بأحكام قانون الضمان.
ويؤكد أن العاملات لا يحظين بأي حماية على الإطلاق، فلا يوجد تأمينات اجتماعية ولا تأمين صحي ولا إجازات ولا أجور عادلة، لا بل إن أجورهن الشهرية لا تكاد تعادل نصف الحد الأدنى للأجور المعتمد في المملكة، "في ظل غياب هذه الحمايات الأساسية الضرورية فإن مستقبل هؤلاء العاملات غير آمِن، وسيكُنَّ عرضة للفقر في أي لحظة".
ويدعو الصبيحي إلى اتخاذ قرارات عاجلة على أعلى مستوى حكومي حيال هذا الموضوع من خلال رفع رواتب وأجور العاملات إلى الحد الأدنى للأجور على الأقل، وشمولهن بمظلة الضمان الاجتماعي وبالتأمينات الأربعة (تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة وتأمين إصابات العمل وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل).
ويقترح وضع نظام للعاملات في المراكز يكفل لهن حقوقهن العمّالية كاملة من إجازات سنوية ومرضية وعرضية وغيرها، وشمولهن بصناديق التكافل المعمول بها في وزارة التربية والتعليم.
ويحمّل الصبيحي كلاً من وزارة التربية والتعليم ومؤسسة الضمان الاجتماعي المسؤولية عن هذا التقصير الكبير، "آمل أن تستدركا الأمر وتشرَعا فوراً بإنفاذ القانون والامتثال لأحكامه وتقوما بشمول جميع المعلمات والعاملات في هذه المراكز بالضمان، فهذا حق وليس منّة أو مكرمة من أحد".
التربية: لا شكاوى
من جانبه، يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم أحمد مساعفة لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إنه لم ترد أي شكوى إلى الوزارة من قبل العاملين تفيد بتعرضهم لانتهاكات عمّالية، ويجري دفع الرواتب وفق نظام تعليم كبار السن ومحو الأمية، "يعطى العاملون ثلاث ساعات يومياً، وكل حصة يتقاضون مقابلها دينارا وستين قرشاً".
ويشير إلى أن عدد مراكز محو الأمية وتعليم كبار السن التابعة لوزارة التربية والتعليم 162 مركزاً، منتشرة في مختلف المحافظات، وفي كل مركز من المراكز هناك شخص يعمل بها، "عدد النساء العاملات في تلك المراكز 137 وعدد الرجال 25".
ويوضح أن دور الوزارة تجاه العاملين بالمراكز يقصر على متابعة وتقييم أدائهم، إلى جانب تقديم التدريبات على طرق وأساليب التدريس وكيفية التعامل مع كبار السن، بحسب نظام تعليم كبار السن ومحو الأمية لسنة 2005.