الرئيسية > انعدام الحضانات يزيد معاناة العاملات الزراعيات

انعدام الحضانات يزيد معاناة العاملات الزراعيات

الاحد, 28 تشرين الثاني 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
انعدام الحضانات يزيد معاناة العاملات الزراعيات
المرصد العمالي الأردني - رزان المومني 
تلجأ النساء العاملات في قطاع الزراعة ممن لديهن أطفال وفي ظل غياب الحضانات، على وضعهم عند الأقارب أو الجيران، وبعضهن يدفعن بدل رعاية نحو دينارين في اليوم الواحد، إلى حين العودة من المزارع.

وأحياناً يبقى أبناء وبنات العاملات، ممن بلغوا الحلم أو أقل فليلا، عند إخوتهم من الأطفال الذين يحتاجون للرعاية في المنزل.

يرتب عدم توافر الحضانات تحديات وضغوطات إضافية على العاملات في الزراعة اللاتي يعانين أصلاً من ظروف عملٍ صعبة، ليس أقلها الأجور القليلة التي قد لا تجاوز السبعة دنانير يوميا في بعض الحالات ولا تكفي لوضع أبنائهن في حضانات.


وتكمن المشكلة في قطاع الزراعة أنّ عدد العاملات في المزرعة الواحدة غالباً ما يكون غير ثابت، لأسباب عديدة، أهمها: أن العمل الزراعي يعتمد على المواسم، وتعمل النساء بنظام المياومة، ففي بعض الأحيان لا يُجاوز عدد العاملات الـ 15 في المزرعة الواحدة، وأحيانا أخرى يزيد على 40 عاملة، ولدى بعض العاملات أكثر من طفل، وفق ما تؤكده نساء عاملات في قطاع الزراعة.

وجاء شمول العاملين بقطاع الزراعة في قانون العمل الأردني بعد إصدار "نظام عمال الزراعة" في أيار 2021، ما يعني أنه قبل ذلك لم يكن ينطبق عليهم قانون العمل.


قلق وضغوط نفسية
نسرين الغزاوي، تخرج من المنزل في الخامسة صباحا، للعمل بقطف الثمار والتعشيب منذ 6 سنين في المزارع القريبة من منزلها في الأغوار الشمالية، وأحياناً تعمل بمزارع في الأغوار الجنوبية، "تأخذ وقتاً أطول تصل إلى أربع ساعات ذهاباً وإيابا".

تقول نسرين إن العمل في الزراعة يعتمد على المواسم، في حين تحصل على أجر خمسة دنانير يومياً، "عادةً ما أعمل سبع ساعات، وفي بعض الأيام أكثر من ذلك، وأحصل على أجر لا يُجاوز السبعة دنانير".

وتوضّح أن لديها ثلاثة أبناء يذهبون إلى المدرسة، وطفلة بعمر ثلاث سنوات تضعها عند جارتها، لحين عودتها من العمل، وبأجر دينارين يومياً، الّا أنه في بعض الأحيان تكون الجارة مشغولة أو يعرقلها ظرف خاص يمنع استقبال الطفلة، فتواجه نسرين صعوبة بالبحث عن جهة بديلة.

وتشير إلى أنها أحياناً تضطر إلى عدم الذهاب للعمل حالَ لم تجد أحدا يرعى طفلتها، ما يؤثر على استمرار العمل والدخل الذي تحصل عليه، وهو ما يدفع صاحب العمل إلى البحث عن عاملة أخرى تحل مكانها.

وتطالب بتوفير حضانات لأطفال النساء العاملات في قطاع الزراعة، وتشير إلى أنّ عدد العاملات في المزرعة الواحدة قد يصل إلى 15 وجميعهن أمهات لأطفال دون سن الخامسة.

وتتوقع أن يتحسن وضعها والعاملات حال توفير حضانات، إذ أنها ستعمل لساعات إضافية وبالتالي سيزيد الأجر الذي تحصل عليه، خصوصا وأنها هي من يعيل أسرتها، حيث يعاني زوجها من أمراض مزمنة تمنعه من العمل.

أما رائدة أبو رمح، فتعمل منذ عشرين عاماً في مزارع بمنطقة دير علا، التي تبعد عن منزلها مئات الأمتار، لديها خمسة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 14 عاماً والصغير لا يُجاوز أربعة أعوام، تبقيهم في المنزل وحدهم، "أطفالي يتصفون بالشقاء واحتاج إلى من يرعاهم ويبقيهم تحت ناظريه، ولا يوجد من يعتني بهم أثناء غيابي، كل قريباتي يعملن معي بالزراعة".

وتقول رائدة لـ"المرصد العمالي" إنها في بعض الأحيان تجبر أكبرهم سناً على التغيب عن المدرسة ليبقى مع إخوته الصغار، "في أحد الأيام وأثناء ذهابي إلى العمل ابني الصغير وهو يحاول إشعال التدفئة أحرق السجادة وكاد أن يحرق نفسه وإخوته، وهذا الأمر أقلقني؛ لا أعمل بقدر ما أفكر ماذا يفعل أبنائي الآن وهل هم بأمان؟". 

وتتابع: "أحيانا يزيد قلقي وخوفي عليهم عند العمل لساعات إضافية، لكني مضطرة للعمل الإضافي كي أحصل على دخل يكفيني وعائلتي المكونة من ستة أشخاص، وزوجي لا يبقى من دخله سوى بضعة دنانير بسبب القروض".

وتؤكد أن توفير حضانات ستغير حياتها للأفضل، إذ ستطمئن إلى أن أطفالها بمكان آمن ونظيف، بالتالي تستطيع العمل يومياً ويزيد دخلها، "فهي بحاجة إلى كل قرش لتأمين العيش لأسرتها.

وتشير إلى أن بعض أصحاب المزارع يراعون ظروف العاملة، ويتفهمون أن لديها أطفال، ولكن هذا لا ينطبق عليهم جميعاً.

الدعم الحكومي مطلوب
ويعتقد نشطاء حقوقيون أنه يمكن تجاوز هذا الأمر من خلال دعم الجهات المعنية، كوزارات الزراعة والعمل والتنمية الاجتماعية والمنظمات المعنية بحقوق المرأة والطفل، بحيث تكون الحضانات مجانية، أو زهيدة التكلفة، من خلال إيجاد صندوق خاص".


يقول مثقال الزيناتي، منسق النقابة المستقلة للعمال والعاملات في قطاع الزراعة، إنه ليس هناك إحصاءات رسمية لعدد النساء العاملات في القطاع الزراعي بشكل عام. 

ويشير إلى أن أغلبية من يعمل في القطاع هم من النساء، وتصل نسبة من لديهن أطفال 70% من مجمل العاملات في القطاع، وكل 10 نساء هناك 7 لديهن أطفال.

وفي حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني"، يؤكد أن هناك حاجة ماسة لتوفير حضانات للنساء العاملات في قطاع الزراعة، "في الوقت الحالي تضع النساء الأطفال عند أبنائهن الأكبر سناً أو عند الأقارب والجيران بأجرٍ بسيط، ويعتقدن أنها أماكن آمنة في ظل غياب الحضانات".

ويلفت إلى أن توفير حضانات لأطفال النساء العاملات في قطاع الزراعة هي إحدى أبرز القضايا على طاولة النقاشات مع الجهات الحقوقية والحكومية، لكن "دون إيجاد حلول حقيقية على أرض الواقع".

ويقترح الزيناتي إيجاد صندوق خاص لتقديم الدعم اللازم للحضانات في حال توافرها في أماكن تواجد أكثرية النساء العاملات، لكيلا تشكل عبئا إضافيا عليهن في ظل تدني الأجر الذي يحصلن عليه.

معاذ وحشة، ناشط حقوقي، يقول إن إيجاد حضانات للنساء العاملات في قطاع الزراعة هو حق من حقوق المرأة العاملة والطفل أيضاً، الذي نص عليه القانون الأردني والاتفاقيات الدولية.

ويوضّح أن العاملات في الزراعة عادة يكنّ في تجمع سكاني واحد "حارة" ويعرفن بعضهن جيداً، ويُجمعن على واحدة من نساء الحارة تهتم بالأطفال لحين العودة من العمل، مقابل مبلغ دينارين أو أقل عن كل طفل. 

"لا تستطيع المزارعات، وبخاصة المرضعات، الاستمرار في العمل، ويبقين في المنزل خوفاً على أطفالهن من التعرض لمكروه"، يتابع حديثه إلى "المرصد العمّالي". 

ويوضح أنه لا يمكن إيجاد حضانات دون وجود دعم من الجهات الحكومية المعنية المتمثلة بوزارات الزراعة والعمل والتنمية الاجتماعية، وأيضاً المنظمات والجمعيات المهتمة بحقوق المرأة والطفل، "الأجر القليل الذي تحصل عليه المزارعات لا يكفي لتغطية تكاليف وضع أطفالهن في الحضانة، لذلك تحتاج الحضانات لدعم".

ويقترح وحشة إنشاء حضانات حكومية مجانية قريبة من المزارع التي تعمل بها النساء، ويذهب إلى حل يكون لصالح الجميع ويفيد المجتمع المحلي، يتمثل بترخيص حضانة لكل تجمع سكاني فيه عاملات زراعة، "امرأة من نفس الحارة تحصل على ترخيص حضانة، وتستمر بعملها بشكل رسمي، ووفق شروط تضمن للطفل بيئة صحية مناسبة وتحت إشراف الجهات الرسمية".

وتظهر دراسة حديثة بعنوان "سلامة النساء في العمل"، أن نسبة وجود حضانات لرعاية الأطفال 10.5%، وأن عدم توافر حضانات لأطفال النساء العاملات هو أحد أشكال الانتهاكات القانونية لحقوق العاملات حسب قانون العمل الأردني.

وتوصي الدراسة، الصادرة عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في تشرين الثاني لعام 2021، بالتوسع في توفير بيئة صديقة للنساء العاملات، من خلال توفير الحضانات ورياض الأطفال مقابل رسوم مشجعة في مناطق العمل، وتفعيل المادة (72) من قانون العمل الأردني. 

 وتنص الفقرة "أ" من المادة (72) من قانون العمل الأردني، على "يلتزم صاحب العمل الذي يستخدم عدداً من العمال في مكان واحد ولديهم من الأطفال ما لا يقل عن 15 طفلاً تزيد أعمارهم على خمس سنوات بتهيئة مكان مناسب ويكون في عهدة مربية مؤهلة أو أكثر لرعايتهم، كما ويجوز لأصحاب العمل الاشتراك في تهيئة هذا المكان في منطقة جغرافية واحدة".

 وأجازت الفقرة "ب" من المادة نفسها لوزير العمل تحديد البدائل المناسبة في حال ثبات عدم قدرة صاحب العمل على إنشاء هذا المكان.